بقلم: محمد كريم بوخصاص
سجل هذا العام تحويل قادة حزبيين يشغلون مناصب مسؤولية في تدبير الشأن العام إلى المساءلة القضائية، بعدما كان سقوط هؤلاء المحظوظين أشبه برؤية هلال رمضان، أي أن ذلك كان لا يحدث إلا نادرا، وربما هذا هو السبب الذي جعل قضية السياسِيَين المشتبه في تورطهم في ملف ما يسمى بـ”إسكوبار الصحراء” تأخذ أبعادا كبيرة جعلتها الأكثر متابعة من قبل المغاربة هذه الأيام، وجاءت في واقعها شبيهة بوضع الوزير السابق محمد مبدع في السجن بعد أن زَفَّهُ البرلمانيون رئيسا للجنة العدل !!
بغض النظر عن وجود إرادة من عدمها لملاحقة كل مدبري الشأن العام المفسدين، تبقى سنة 2023 استثناء بكل المقاييس، بعد أن حطمت الأرقام القياسية في عدد البرلمانيين وأعضاء المجالس المحلية المنتخبين الذين أحيلوا على المحاكمة بتهم تتعلق بالفساد المالي والثراء غير المشروع من خلال استغلال مواقعهم، والاتجار في المخدرات وغيرها. ويكفي أن عدد البرلمانيين الذين تعرضوا للاعتقال أو الملاحقة القضائية هذه السنة وحدها بلغ 18 برلمانيا موزعين بالتساوي بين تسعة منهم ينتمون للأحزاب المشاركة في الحكومة (5 من الأحرار، و3 من البام، و1 من الاستقلال)، وتسعة آخرين قياديون بأحزاب أخرى ممثلة في البرلمان (3 من الاتحاد الدستوري، و3 من الحركة الشعبية و2 من الاتحاد الاشتراكي، و1 من التقدم والاشتراكية).
وآخر من انضم إلى هذه القائمة هما القياديان البارزان في حزب الأصالة والمعاصرة عبد النبي البعيوي وسعيد الناصري، واللذان كانا ضمن الـ25 شخصا الذين مثلوا أمام النيابة العامة، في إطار الأبحاث التي أجرتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية للكشف عن باقي المشتبه بهم في قضية مواطن مزدوج الجنسية (مالية ومغربية) عُدَّ من كبار تجار المخدرات الدوليين أوقفه الأمن المغربي في عام 2019، مما يجعلنا نتساءل عن كيف أصبح مثل هؤلاء جزءاً من النخبة الحزبية والسياسية التي تشغل مهام نيابية ومسؤوليات في الجماعات الترابية.
مع حفظ قرينة البراءة لجميع المتابعين حتى تنتهي أطوار محاكمتهم، فمجرد أن تحوم شبهات خطيرة حول “مسؤول” يبقى أمرا جللا، لأن ذلك بقدر ما يمنح الأمل للمغاربة بأنهم متساوون أمام القانون، فإنه يعري مشهدا من غابة “الفساد” التي يخفيها تدبير الشأن العام، ويطرح السؤال عن كيف يتيح مناخ سياسي “تسمين” تافهين وفاشلين ومنحهم الضوء الأخضر لاحتلال مناصب قيادية على حساب النزهاء الأجدر.
فهاذان المسؤولان المتابعان قضائيا اليوم، أحدهما نال في شتنبر 2015 شرف أن يكون أول رئيس للمجلس الجهوي للشرق في ظل التقسيم الجهوي الجديد، والثاني هو برلماني ورئيس مجلس عمالات الدار البيضاء ورئيس أحد قطبي الكرة بالبيضاء، وكلاهما كانا يتحركان كأنهما “أصحابُ مجدٍ!” ويتم تقديمهما كنموذج للرجال العصاميين وأصحاب المسار السياسي الناجحين، قبل أن يصبح نفس الاسمين مشتبهين في شبكة دولية للاتجار بالمخدرات.
تطرح هذه القضية وقبلها قضايا البرلمانيين الـ18 الآخرين ممن اعتقلوا أو يحاكمون هذا العام العديد من الخلاصات:
أولا: لماذا أصبحت مسؤولية تدبير مصالح المغاربة وأموالهم من نصيب الفاشلين ومن تحوم حول مساراتهم الشبهات؟ ألا تتحمل النخبة الحزبية مسؤولية ذلك وهي التي تختار الأعيان الذين يشترون المقاعد الانتخابية وليس المناضلين الذين يفوزون بها في قلوب الناخبين؟ ألم تلعب الأجواء التي مرت فيها انتخابات 8 شتنبر دورا في فوز من هبَّ ودبَّ بمقعدٍ؟
ثانيا: كيف حصل هذا التطبيع مع الفساد حتى صار الجميع يعرفه ولا يستنكره ولم تعد لأحد الرغبة في مواجهته؟ ولمعرفة فداحة ذلك ينبغي العودة إلى التقرير الرسمي الذي أصدرته “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها” مطلع دجنبر، والذي انتهى إلى أننا نعيش شبه ركود على مدى 25 عاما في ما يخص محاربة تفشي الفساد، في الوقت الذي ظلت الحكومات المتعاقبة تعلن عن تسريعها الانتقال الفعلي إلى مرحلة جديدة في مكافحته!!
ثالثا: إن كان ولابد أن نحمد الله اليوم على شيء، وهو على تحقيق استقلالية النيابة العامة، بعد أن كانت تحت سلطة وزير العدل، فلا يمكن تخيل كيف كان سيتصرف عبد اللطيف وهبي في أمر التحقيق مع قيادِيَيْ حزبه، ولربما كان سيعتبر ذلك ليّاً آخر لذراع حزبه أو الدولة، وهو لا يعلم أن نوعا واحدا من المغاربة يُمعِنُون في ليِّ ذراع الدولة وهم المسؤولون الفاشلون والفاسدون، لأنهم يمثلون أكبر خطر على الدولة.
على سبيل الختم، هناك خلاصة ينبغي أن ينتبه لها السيد فوزي لقجع، فليس شيئا جيدا أن تفقد جامعة الكرة –في عِزِّ النجاحات التي حققتها ونفخر بها- اثنين من رموزها في ثلاثة أشهر، أحدهما حُكم عليه ابتدائيا بسنة ونصف نافدة في فضيحة تذاكر المونديال، والآخر يُحقق معه في قضية اتجار دولي في المخدرات، فلا يمكن أن نتصور أن النجاحات تَتَحقق بمثل هؤلاء أو من تَرُوج أخبار عن تورطهم في قضايا فساد أخرى، لذلك من المهم جيدا اختيار الأصحاب والمقربين ومن يدبرون معك شأن الجامعة في أفضل نسختها على الإطلاق.
عن موقع: فاس نيوز