محسن الأكرمين.
في مثل هذا اليوم، كانت مكناس تعري عن مفاتنها بالتجميل والصباغة تسويق مدينة الملونة. في مثل هذا الزمن من كل سنة سنوات الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس وبنهاية الدورة (14)، كانت حركة الإصلاحات الجانبية وغرس المدارات بالأزهار والرياحين تأخذ السرعة النهائية لأجل يوم الافتتاح وانتظار وفود مناظرة الفلاحة. في مثل هذا التاريخ من كل سنة تكون الحجوزات لغرف الفنادق المصنفة بمكناس وغير المصنفة ودور الضيافة قد استنفدت بالتمام، وتمر بعدها الطلبيات نحو كراء الدور المفروشة. في مثل هذه الفترة من كل سنوات الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس تبدأ طلائع المعروضات تلج المدينة مع الوجوه المستملحة من العارضين والعارضات. في مثل هذا الشهر تتضاعف أعداد الأمنيين بمكناس وبدعم من مدن الجوار، وتصبح المداومة الأمنية متوالية. الآن، وبسبب فيروس “كورونا” المستجد أيدي تفكيك الخيام تحركت “بالترياب”، وباتت مكناس ينطبق عليها المثل الشعبي”طلع تاكل الكرموس نزل شكون قالها ليك”.
بين فيروس “كورونا” المستجد وجفاف سماء الغيث تعيش مكناس أزمتها الداخلية والصامتة بطواعية. تعيش السياحة أسوء أيامها، وممكن أن تزيد بحد تزايد الوباء بالدول المصدرة للسياح. تعيش الحركة الاقتصادية ركودا داخليا خاصة ما ارتبط عادة بأيام الملتقى الفلاحي الدولي. تعيش اليد العاملة المياومة عطالة، وهي التي كانت تمني نفسها مدخولا جزئيا من أيام الاشتغال ضمن طلبات يد العمل في الملتقى.
“طلع تاكل الكرموس نزل شكون قالها ليك”، جاء بصيغة الاستباقية الحمائية من”كوفيد-19”. قد لا نعترض على القرار بصدق تكهناته الوبائية، ولكن قد لا نقف كجهاز حكومي وطني -(الحكومة المنفتحة)- مكتوفي الأيدي دون التدخل لجبر الضرر الحاصل بمكناس جراء قرار المنع الاستعجالي. قد نقف مع مطالب توفير الدعم والتفكير في تحريك الحركة الاقتصادية بمكناس، والتفكير في صيغ دعم القطاع السياحي والفلاحي والخدماتي. قد نطالب بتفعيل فصول نصوص التضامن مع مكناس بقياس وضعيات “المدن المنكوبة” والتدخل بالمال العام من “صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية/ كورونا قياسا” لسد فجوات أزمة إلغاء الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس في دورته (15).
“طلع تاكل الكرموس نزل شكون قالها ليك”، هي مجموعة من خطط مواكبة تزيين مدينة مكناس تم توقيفها أو بدأت تشتغل بمعدل ” لي بغى يربح العام طويل”. انسحبت السترات الصفراء من جوانب الطرق وعمليات التشذيب والتنظيف، انسحبت الآليات الكبرى لهيكلة بعض الطوارات (الطريق بين الزهوة وأكدال). غابت تلك الأزهار والورود المتفتحة عن مجموع المدارات وكأن عيون الساكنة لا تستحق الجمال. انسحبت القنوات الإعلامية الكبرى من مكناس، ولم تعد تهتم لا بتثمين المدينة العتيقة، ولا بالنقل اليومي لأخبار الاستعدادات السبقية للملتقى. انسحبت لوحات الإشهار مما سيزيد ميزانية جماعة مكناس تضررا. انسحب كل ما يرمز إلى الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس (15) وبقيت لوحة إشهارية يتيمة تحمل صورة جرار لن يباع حتما بمكناس هذه السنة.
مثال “طلع تاكل الكرموس نزل شكون قالها ليك”، لم يتوقف فقط عند الملتقى الدولي للفلاحة بل أنزل حتى مهرجان مكناس للدراما التلفزية من منصة المنوني في آخر استعدادات الافتتاح، وانتهى المهرجان بالتأجيل إلى موعد غير معلوم، وبدون بلاغ رسمي من جمعية العرض الحر. انتهى مهرجان مكناس للدراما التلفزية بصور يتيمة تقدم فيها تذكارات للضيوف الأجانب مع قبلات توديع وخوف من فيروس “كورونا”.
هو مكناس الذي يحتفي منذ مدة بحكمة “طلع تاكل الكرموس نزل شكون قالها ليك”. هو مكناس الذي ينتظر تدخلات الدولة والحكومة (المنفتحة) لأجل وضع صيغ الإنعاش ودعم القطاع الاجتماعي والسياحي والفلاحي، وتجاوز شكليا أثر الإلغاء والجفاف. هو مكناس الذي يعيش إقصائيات مسابقة “التبوريدة” باعتبارها موسما لا مهرجانا.