تعتبر آفة النفايات البلاستيكية معضلة عالمية بامتياز، إذ أن العالم أنتج في سنة 2016 ما يزيد عن 242 مليون طن من البلاستيك حسب إحصائيات البنك الدولي، حيث أن المغرب وحده يخلف حوالي 900 طن من هذه المادة في السنة. لم تسلم العاصمة الإسماعيلية من هذه الآفة البيئية، فملأت أرجاءها وسممت هوائها، ولعل ذلك ما كان حافزنا على البحث والتقصي في أسباب هذا الكابوس البيئي الذي يخلفه تداول البلاستيك،وبعشوائية رغم أن القانون 77.15 يمنع تصنيع وبيع وشراء أكياس البلاستيك. وكذا عن الحلول التي يمكن العمل بها لترشيد استعمال هذه المادة .
تشتكي ساكنة مدينة مكناس من اكتظاظ الشوارع والمساحات الخضراء بالبلاستيك، وخاصة الأكياس البلاستيكية. فلا يمكن أن تتجول فيها إلا وتجد كما هائلا من هذه المادة متراكما في هوامش الطرقات أو عالقا في جذوع الأشجار. وتختلف مجالات استعمال البلاستيك بين ما هو فلاحي، خاصة ما يتعلق بزراعة الزيتون بالمنطقة.
ولتجسيد هذا المشكل البيئي قام فريق العمل باستجواب
بعض الفلاحين في منطقة رأس جيري البعيدة بعشرين كيلومترا عن مدينة مكناس والذين عبروا عن حاجتهم الماسة للبلاستيك في أنشطتهم الفلاحية كأنابيب السقي بالتنقيط وفي المزارع المغطاة و تغطية محصولهم الزراعي. والبلاستيك يشكل خطرا وتهديدا على ماشيتهم التي أصبحت تتغذى على بقاياه، مما يعرضها للموت. فلا يجد الفلاحون سوى الحرق أو الرمي بعيدا.
وهنا تتجلى خطورة هذه المادة التي تسربت إلى حياتنا من كل الجهات، فأضحى من الصعب التخلي عنها مع أن تصنيعها مكلف، فهي ابن غير شرعي للبترول ومع ارتفاع سعر البرميل منه فإن تكلفة إنتاج البلاستيك سترتفع أيضا. فلا يخفى على أحد منا أن تحلل البلاستيك قد يتطلب مئات بل آلاف السنين. وإذا حاولنا طمره فإنه وبلا شك سيطرح عدة مشاكل على مستوى التربة. وأما إذا حاولنا حرقه فإن الدخان الذي سينبعث من هذه العملية سيشكل تهديدا للهواء خاصة وللبيئة عامة.
وللإحاطة بكل جوانب هذه المشكلة التي تؤرق بال الساكنة المحلية، قام فريق عملنا بزيارة ميدانية لمطرح النفايات SUEZالمتواجد بضواحي مدينة مكناس، والذي يعتبر الأول على الصعيد الوطني. والمؤسس سنة 2014 ويمتد على مساحة تصل إلى Km²65 . وعند وصولنا إلى عين المكان أجرينا استجوابا مع المشرفة على تعاونية التضامن بالمطرح، السيدة إلهام التاقي، التي أطلعتنا على الكميات الهائلة من النفايات التي يستقبلها المركز يوميا والتي تبلغ 534 طن وتشكل النفايات البلاستيكية أكبر نسبة من المواد التي يستقبلها بنسبة %29.9 من PVC ،PET وPEHD. مؤكدة على أهمية إعادة تدوير البلاستيك كوسيلة للتقليل من إنتاجه، وفـــق مبدإ تثمين النفايات وذلك عـن طــريــق تجميعهــا و فرزها ثم إعادة تدويرها لتصبح قابلة للاستعمال مرة أخرى. ملتمسة من المستهلك تبني ثقافة الاستهلاك المعقلن وتقنين المشتريات ونشر الوعي البيئي داخل المجتمع. واقترحت في الأخير بدائل إيكولوجية عن البلاستيك كالأكياس الورقية والمصنوعة من الدوم.
ويأتي القانون 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها في إطار المجهودات المبذولة من طرف الدولة لمواجهة تراكم النفايات البلاستيكية، والذي يرمي تثمين النفايات بإعادة استعمالها أو تدويرها وتقليص إنتاجها. كما أشرف المغرب سنة 2016 على تشريع قانون 77.15 الذي يمنع تصنيع و تسويق الأكياس البلاستيكية (زيرو ميكا). وسيتوج هذا القانون بنتائج إيجابية إلا أنها تبقى محدودة للغاية. وتتجلى محدوديتها في مزاولة استعمال هذه الأكياس الغذائية . وهنا قام فريق عملنا بزيارة مختلف دكاكين المواد الغذائية ، وتوجه بالسؤال عن حجم الأكياس البلاستيكية التي يستخدمونها شهريا، فمنهم من أجاب و منهم من امتنع عن ذلك، و خلصنا في الأخير إلى أن متوسط استعمال أصحاب الدكاكين من هذه الأكياس البلاستيكية هو 55kgــ شهريا .لكن من أين لهم بهذه الأكياس البلاستيكية في ظل منع تصنيعها بالبلاد؟ إذن لا تزال معامل صغرى تنتج هذه المواد في الخفاء تجنبا للعقوبات. و بما أن كل ممنوع مرغوب فإن عددا من التجار يتنافسون على استعمال هذه المادة الممنوعة بل و قد تحولت إلى مصدر جذب للمستهلك الذي يتلهف لاقتناء بضاعته ووضعها بأكياس من البلاستيك.
وعلى ضوء ما سبق، نؤكد على ضرورة خلق الدولة لآليات إيكولوجية للتقليل من استعمال البلاستيك وإدماج التربية البيئية في مناهج التعليم. ويجب أن نسلط الضوء على أهمية نشر الوعي البيئي، وهنا نطلب من مختلف الفاعلين الجمعويين والتلاميذ والطلبة وكل من يتميز بنوع من هذا الوعي أن ينقله إلى باقي أفراد أسرته، ثم إلى جيرانه، ليصل إلى محيط أوسع قد يشمل مدينته ووطنه ولما العالم بأسره.
نردد دائما العبارة التي تقول: علينا أن نترك أرضا صالحة لأبنائنا، لكن أليس الأجدر أن نترك أولادا صالحين لهذه الأرض؟
التقرير الصحفي عن فريق العمل:
فاطمة أعتيرو
سلمى حمادي
شروق الوكيلي
هبة حميوي
أيمن الدكالي