من النوستالجيا إلى التوثيق في كتاب
أب في الذاكرة (الإخلاص للقرية والوفاء للأندلس)
ذ. الكبير الداديسي
كتاب (أب في الذاكرة (الإخلاص للقرية والوفاء للأندلس) ) للدكتور خالد غيلان كتاب عصي على التصنيف، فقد ألفه الكاتب خالد غيلان يلوي فيه أعناق الأجناس الأدبية، جاعلا فيه من كل جنس أدبي طرف مع صعوبة تصنيفه في جنس معين، فكتب السيرة الغيرية بالسيرة الذاتية، وكتب التاريخ الذاتي بالسرد الموضوعي، كتب عن الجماعة من خلال الأنا، وعن الأنا عبر القرية، سرد ووصف، حلّل ونظّر، برهن وحاجج… فكان في الكتاب شيء من الحجاج والبرهنة، وشيء من السرد والحكي، وكثير من الإقناع والدفاع عن الرأي، يجمع بين النقد (كثرة الهوامش، والاستشهاد بآراء المؤرخين والمفكرين ورجال الدين من الفقهاء والمتصوفة…) وبين الإبداع (الحديث عن تجربة شخصية أقرب للسيرة)…
لذلك تتعدد مداخل مقاربة الكتاب، ويعسر تصنيفه، وسنقتصر في هذه القراءة على محاور تفرض نفسها على قارئ الكتاب منها:
– التعريف بالكتاب :
كتاب (أب في الذاكرة (الإخلاص للقرية والوفاء للأندلس)) مؤلف للكاتب خالد غيلان صدر في طبعته الأولى عن مطبعة الأمنية الرباط سنة 2021 في 279 صفحة من الحجم المتوسط غلافه مزدان بلوحة تشكيلية من إبداع الفنان الجيلالي الغرباوي، استهل الكاتبُ مؤلفه بعبارة تَعتبِر من الماضي وتستشرف المستقبل، لتختزل الهدف من الكتاب (حتى لا ننسى عطاء الآباء لنا ونجتهد لتقديم الأفضل لأبنائنا)، وقد كتب مقدمة الكتاب السيد محمد نجيب لوباريس رئيس جمعية ذاكرة الأندلسيين، ولذلك علاقة بمتن المؤلَّف وبعنوانه الفرعي (الوفاء للأندلس)… والكتاب مكون من ثلاثة أبواب تضمنَ البابان الأول والثاني خمسة فصول فيما اشتمل الباب الثالث على ثلاثة فصول، عناوين كل فصل عبارة في جمل متوازنة مسجوعة، ولعل في اختيار حروف معينة في نهاية عناوين الفصول ( ار، ي، د = اريد) أشياء كثيرة يريد الدكتور خالد توصيلها للقارئ…
هكذا كانت محتويات الكتاب على الشكل التالي:
الباب الأول: الأصول القروية والجذور الأندلسية الموريسكية
- الصورة على الجدار
- المدينة بلا أسوار
- الدوار بأنشطة وأدوار
- الأب برؤية وإصرار
الباب الثاني : الاستراتيجية التربوية للوالد الأسس والآليات - المدخل التعليمي
- العمق النفسي والعاطفي
- الجانب البدني
- البعد الروحي
- التدريب الميداني
الباب الثالث : من محاولة ربط لبرابرة بيابرة إلى تدبير الأزمة - لحظات فراق القائد
- أزمة الاختيارات وتوالي الشدائد
- مواصلة التفكير والفعل هو الرائد
والكتاب مذيل بعدد من الفهارس والملاحق الهامة منها : - ملحق خاص ببعض العائلات الأندلسية والموريسكية التي استقرت بوزان ونواحيها
- فهرس المؤسسات
- فهرس الأعلام فهرس الأماكن
- فهرس المصادر والمراجع العربية
- فهرس المصادر الفرنسية
– النوستالجيا :
أن يكتب الإنسان عن جذوره، عن الطفولة وعن الوالد الذي غادره إلى دار البقاء حنينٌ للقبض على الزمن المنفلت منا، وسعي للتلذذ بمتعة منفلتة يجعله الحنين يتمناها أبدية وسرمدية، قارئ الكتاب يتراءى له الدكتور خالد وهو يعود لكتابه كل حين يتصفحه، مقتنعا بأن الكتابة متعة خالدة تتلاشى أمامها كل المتع السريعة الذوبان، لذلك تميز الكتاب بخلط للمشاعر وتشتت بين السعادة، الألم الفرح والحزن ،وقد يطل الندم وأحيانا الحنين إلى أشخاص رحلوا أو أبعدهم الزمان ونأت بهم مشاغل الحياة، لكن تركوا في النفس أثرا من الزمن “الجميل” حيث بساطة الحياة ومتانة العلاقات الاجتماعية والأسرية… قد تتغير الملامح، ونسافر عبر الأمكنة، لكن يظل في أعماق الجوانح حنين ورغبة للعودة، تولّد خوف من سرعة الزمن، وتقلبات الدهر لذا كان الهم الأكبر في الكتاب هو كيف نغرس هذا الشيء الذي نخاف على زواله في نفوس الأبناء… والكتابة وحدها قادرة على السخرية من الزمن الذي يسلبنا كل حين أشياء ثمينة، أخذ الطفولة أخذ الوالد. إلا أن للكتابة قدرة على فرملة عبثية الزمان، وتخليد الأحداث وإن كنا مقتنعين أنها لن تعود…
هكذا لعبت النوستالجيا دورها لكي يقدم الدكتور خالد عالما مختلفا عن الذي عاشه، ولكنه عالم كما يحبه، أو على الأقل عالما كما يتخيله، وهو ليس بالضرورة كما كان وكما وقع… لأن النوستالجيا تجعلنا نطمئن للماضي ونتوجس من الحاضر ونخاف من المستقبل فنقدس الماضي ويبدو لنا فيه (كل شيء جميل وكل الناس سعداء) والعودة إليه تحدث السعادة، نستمع إليه يقول وهو يقود السيارة متجها نحو مسقط رأسه ( كلما اقتربنا من موطن الآباء والأجداد، تسترجع شبابك وتعود في قمة النشاط والاطمئنان) ص 33 بل إن (زيارة مسقط الرأس تحمل دلالات أعمق من إزالة تعب السنين والأعوام) ص33 وطبيعي أن يطفو الحنين على كل المشاعر عندما تزور البيت الذي ترعرعت فيه، وعندما تزور مرتع الطفولة والأمثلة في الكتاب كثيرة ومتنوعة، نكتفي بهذا المثال الذي يتحدث فيه عن العودة إلى أرض الأجداد(وبالنسبة لي فالانتقال… إلى القرية المعلقة بسفوح الجبال، هي شبيهة بالغطس في أعماق البحار، تصادفك الحياة بسكونها، وتنوع مخلوقاتها، وقد تجتهد فتعثر على كنز لا يفنى، فزيارة أرض الأجداد، هي فرصة للارتواء من الطبيعة ومن التماسك العائلي)
وأما الكتابة عن الوالد الملهم القائد القدوة، فتعميم للخصوصي، لأن لكل شخص والداً، وتبقى صورة الأب النمطية رمزا للعطاء فالأب في الثقافة الإنسانية وحده يعطي دون تفكير ودون مقابل، ودون انتظار شكر، وحتى إن شابت هذه الصورة شوائب لظروف اجتماعية ما فإن أغلب الذين يبخسون الأب حقه لا يعرفون قيمته حتى يفتقدونه، فما يغرسه الأب في أبنائه يجعله فريدا لا يمكن تعويضه لذلك قال جان جاك روسو (أب واحد أفضل من عشرة مربيين) والدكتور خالد إن كان يمجد أباه يحز في نفسه أنه لم يعش فرح الأب بنجاحات ابنه فقد رحل الأب إلى عالم النائمين، ليشعر الكاتب أن العالم أضحى مختلفاً، أغلق الأب عينيه ولم يفتحهما لينتهي زمن الأحلام ويستيقظ الكاتب على كابوس واقع ظل طيف الوالد يرافقه فيه في حله وفي ترحاله، ويلهمه فيقارن بين ابنه وأبيه، ولا تفوته فرصة دون أن يتحدث عن أبيه لأبنائه…
الكتاب هدية للوالد ورسالة للولد، وعندما يكتب المرء عن والده ويستهدف ولده، يصبح الكتاب رسالة والمنبع الوحيد الذي يجب أن تتناسل منه العبر ويتلألأ منه ضوء ونور الوالد، خاصة إذا كان الكاتب يرى في والده العبد المعبود والمعبد الذي ينير ولا يستنير، يصنع العقول، ويربي الأجيال. فيصبح الأب والكتاب خطان متوازيات يسيران نحو نفس الهدف، ويشعر القارئ وكأن الكاتب حاول أن يقول كل شيء في هذا الكتاب… وكأنه مقتنع بأن الكتاب يصنع إنسانا قارئا… والإنسان القارئ إنسان مفعم بالحياة، تبث فيه القراءة نسخ الحياة فغدو خفيف الظل، مرهف الحواس فما من شيء كبر حجمه وزادت كتلته إلا زاد ثقله إلا العلم والقراءة. لذلك حاول الدكتور خالد أن يمتح من مختلف الثقافات، وينهل من الفكر الإنساني، فيستشهد بأقوال مفكرين عالميين (تشنغيوي لوو ، دافيد هارفي، إدوارد ميشو، إيميل دوركايم، غريغوري لازارف، غي دي ميو …) ومؤرخين عرب قدامى ( البكري، ابن خلدون، الناصري، الحسن الوزان، ابن عسكر… ) أو رجالات فكر أجانب أو مغاربة معاصرين ( عباس الجراري، محمد الصديق معنينو، محمد داود، محمد نجيب لوباريس…) كما سعى إلى توظيف أمثال من حضارات مختلفة وهو يتغيـى تخليد نفسه وتخليد والده وتقديم العبرة لأولاده وللناشئة، وكأنه يريد القول: إن الذي يكتب لا يموت، ولا شيء أخد من الكتابة، فأين الملوك والقياصرة والفراعنة؟ وأين والد الكاتب؟ ومن خُلّد اسمه في التاريخ منهم فبفضل كاتب… وقد نجح الكتاب في تسطير اسم الوالد بين المخلدين، يستمر حضوره في الغياب، رغم غيابه في الحضور… وفي جعل الكاتب إنسانا فاعلا ومنفعلا ومتفاعلا…
- الكتاب والتوثيق:
لا خلاف حول كون أي كتاب يعد وثيقة، قد يجد فيها بعض الدارسين معطيات اجتماعية تاريخية وأنثروبولوجية سياسية وثقافية، وكتاب (أب في الذاكرة) حافل بأعلام القبائل والأشخاص إذ تضمن 187 اسما علما لمكان و 196 اسما من أعلام الأشخاص وأزيد من 22 اسم مؤسسة، ناهيك على ما يزيد من 130 اسما لعائلات موريسكية استقرت بوزان ونواحيها وحوالي 113 أسرة منحدرة من أصول أندلسية، مع تحديد الموطن الأصلي الذي كانت تقطنه في الأندلس، ومكان استقرارها بالمغرب… وبذلك يقدم الكتاب مادة للباحثين والمهتمين بالجينيولوجيا (علم الأنساب) بما هو علم همه النبش عن الجذور… وما فعله خالد غيلان هو النبش عن جذوره الموريسكية، وسعيه لترسيخها في أبنائه، من خلال دراسة أحوال الناس وتاريخهم، والتعمق في معرفة السلالات وتطور العلاقات الإنسانية، وحركية الأفراد والأسر والقبائل والطوائف، ورصد نمط الحياة وما يرتبط من مأكل وملبس وعمران، وعادات وتقاليد… وهنا تكمن خطورة وصعوبة هذا النوع من الكتابة لأنها تمزج بين الذاتي بالموضوعي، وتبرز فيها الأنا كبؤرة تتمحور حولها باقي المعطيات، لذلك كان طبيعيا أن ينساق الكاتب مع النوستالجيا فيغض الطرف عن المثالب، ويجرفه الحنين للتركيز على الجانب المشرق في الصورة . فيكثر من المديح وتضخيم الأشخاص والأحداث البسيطة… وخاصة عندما يكون المتحدث عنه أبا توفي في اللحظة التي كان الكاتب أحوج لأبيه….
- أهمية التاريخ المحلي :
“أب في الذاكرة” نموذج من كتب التاريخ المحلي، وتنماز هذه الكتابة بمحدوديتها في المجالين الزمني والمكاني، بتبئير الأحداث في حدود أسرية أو قبائلية ضيقة، وهو ما يجعلها كتابة منوغرافية محددة، تتيح للكاتب إمكانية التحكم في مجال بحثه، والنبش المجهري في تفاصيل الأحداث الصغيرة التي عاشتها منطقة أو قبيلة ما في جهة من الجهات، أكثر مما تتيحه الكتابة في المواضيع الوطنية أو القومية العامة، التي تضيع فيها الأحداث الصغرى والشخصيات البسيطة…
إن كتابة التاريخ المحلي تفرض على الكاتب تجاوز التاريخ التقليدي الذي يركز على الشخصيات العظيمة، ورجالات الدولة الكبار، ولا تقوم له قائمة إلا بالاعتماد على الوثائق الخطية… يتجاوز كل ذلك وغيره إلى الكتابة عن اليومي، وعن الهامشي، وعن الحِرف البسيطة، والعلاقات الحميمة الأب فيها مربٍ قائد وملهم … لذلك لا غرو إن جاء كتاب ” أب في الذاكرة” يمتح من التاريخ وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، وينبش في العادات والتقاليد، وطرق عيش في منطقة بابرة شمال المغرب خلال لحظة معينة من التاريخ ، فوصف خالد غيلان نمط حياة السكان وتعامل الحرفيين (الوالد تقني في البناء)، نمط التعليم ( بدءا بالمسيد ودور الفقيه، مرورا بكل أسلاك التعليم) وتعامل الناس مع فقيه الدوار وتضامنهم في توفير مؤونته (الشرط، العولة المعروف…) تدبير المشرك في القبيلة (الغابة، ماء العين، الطاحونة، أراضي الجموع، المسجد، الكتاب، الأعياد عيد المولد النبوي، الزوايا والصلحاء…). كما رصد الكتاب بعض تجليات الهجرة والحركة السكانية داخل المغرب، وبين المغرب ودول الجوار خاصة إسبانيا، مع إشارات لطبيعة العمران، والطبخ، واللباس طبعا دون نسيان تفاعل الإنسان مع الطبيعة والتدهور الكبير للجانب البيئي جراء العوامل الطبيعية (الجفاف) أو العوامل البشرية (مناظر طبيعية يلوثها البلاستيك والمعلبات (ص 210) (اختفت الأسماك من الأودية المحيطة بالقرية بسبب تلوثها بمرجان معاصر الزيتون) ص211
وإذا كان بعض المؤرخين يؤمنون بأن (لا تاريح دون وثائق) ففي كتاب (أب في الذاكرة) وإن كانت الاقتباسات والاستشهاد بأقوال عدد كبير من المفكرين، كثيرة ومتنوعة تبقى الوثيقة الشفوية، والذاكرة الفردية أهم مصدر للمعلومات، حتى وإن كان الكاتب لا يذكر في كثير من الأحيان الشخصيات التي نهل منها معارفه وأفكاره، وهو ما يجعل الكتاب إبداعا تخييليا أكثر منه تأريخ … لكنه بالكتابة أحال تلك الأحداث لوثائق، وكثيرة هي الكتب الهامة اليوم كانت في بدايتها شفوية بما فيها القرآن الكريم، هكذا يصبح كتاب (أب في الذاكر) وثيقة للتأريخ المحلي… وما التأريخ المحلي إلا طريقة تجعل القارئ يعيش تاريخا حيا life History بكل أبعاده النفسية والاجتماعية والإنسانية، ليصبح جزءاً مكوّنا للتاريخ الوطني العام…
– المقارنة بين الشمال والجنوب :
وبما أن الكاتب تنقل بين مناطق مختلفة، داخل المغرب وخارجه، فقد كان من الطبيعي أن تحضر في الكتاب إشارات كثيرة للمقارنة بين الشمال والجنوب، وهي سمة تكاد تسم معظم الكتابات التي انتقل فيها أبطالها بين العالمين، فقد حضرت في عدد كبير ومن الروايات والسير الذاتية، كموسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح، وأوراق عبد الله العروي، والحي اللاتيني ليوسف إدريس، وعصفور من الشرق لتوفيق الحكيم وغيرها كثير…
في هذا الكتاب البطل منذ الصغر وهو يحلم بالهجرة ومتابعة دراسته بالخارج، وكانت أمامه فرصة للسفر إلى فرنسا، لكن وفاة والده غيرت مجرى حياته وأجلت الفكرة إلى أجل غير مسمى، ودفعته للبحث عن عمل يساعد به أسرته. لكن هاجس الهجرة ظل يسكنه، حتى إذا قضى في العمل سنوات، وتزوج وأنجب عاودته الفكرة وقرر الهجرة إلى كندا، وتكون الفرصة مواتية ليقف على ثنائية شرق /غرب. ونكتفي ببعض الإشارات التي يبين فيها السارد بعض الفروق بين العالمين ( بدول الشمال يستمر العمل والاشتغال فتصنع النجوم، وبجل دول الجنوب يبنون أمامك أسوارا ويصبح مصيرك حتى وإن كتب لك ونجحت الضياع في آخر المطاف، لاعب دولي قد يصبح مصيره في نهاية المطاف الاشتغال كمدلك في حمام شعبي، ومهندس خبير إذا لم يأخذ مساره المهني بيده قد يقضي حياته الإدارية في إعداد الأوراق بإدارة مركزية وبالتالي يموت بالتقسيط مخنوقا بربطة عنقه المصنوعة من قماش رديء) فقط لأن دول الجنوب حسب الكاتب لا تقدر مواهبها يقول (في وطننا الأم الشباب موهوب، ولكن الانحطاط مكتوب، في ظل غياب التكوين الحقيقي، والتتبع المستمر)
– الكتابة في الشأن المحلي خرق لهيمنة المركز على الهامش:
فعلى الرغم من كون معظم الكتابات ظلت تركز على المركز، بما يحويه من سلطة القرار، ومقر الحكم وموطن الصناعة ومقر القيادة السياسية، فإن الكتابة عن القضايا المحلية بمثابة تسليط الضوء على الهامش، ونحن هنا لا نقصد بالهامش المنبوذ غير المنتج، والذي يعيش عالة على الآخرين ولا يساهم في الإنتاج، ولا موطن الجريمة الذي يشرعن الاحتيال والسطو ما دام يرى نفسه مهمشا، ومهضوم الحقوق… ذلك أن خالد غيلان استطاع تبئير الهامش، فجعله مركزا ينتج قوته ومؤونته، وفق القوانين والضوابط المعيارية، يؤمن حياة أبنائه، يغرس فيهم قيم الأخلاق النبيلة، فظل هذا الهامش يحافظ على جاذبيته تشرئب إليه الأعناق، بل إن الكاتب كان وما زال وسيظل يفضله على ما يعتبره الناس مركزا….
يستنتج إذن أن خالد غيلان بهذا المولود الجديد، يجعل لصوته ذبذبات غير قابلة للتلاشي، بل تمنح ذبذبات صوته وهو يتحدث عن والده وعن قريته رنينا يزداد كلما اتسع المدى، ترمي بالقارئ في طموحات روحية، حيث المثل اليوتوبية… تلوي أعناق الحاضر بالنوسالجيا… في عالم مادي يشعر فيه الإنسان بالوحدة وسط الحشود الغفيرة، فيهرع إلى الماضي وإلى القبيلة مستنجدا بحبال الذكريات… وتغدو الكتابة بعثا للحياة ودفاعا عن الهوية، ذلك أن الدستور المغربي يعتبر الرافد الأندلسي جزءا من الهوية الوطنية المغربية، والكتاب عندما يمد الجسور بين لبابرة المغربية ومدينة يابرة البرتغالية حاليا ترسيخ لتلك الهوية…