مسألة الإدراج في الحديث والطعن في السنة النبوية ــ ذ. نصر سيوب

   بالاطلاع على بعض كتابات المُغْرِضين، الذين حاولوا ويحاولون جاهدين التشكيك في السنة النبوية الصحيحة، التي تُذْعِن لها جماهير المسلمين، والتي أقامت صرح الفقه الإسلامي العظيم، الذي لا تملك أمة من أمم الأرض عُشر معشاره؛ حيث تجدهم يسلكون شتى الطرق للوصول إلى هدفهم ذاك.. ولكن هيهات أن يفلحوا أو يصلوا إلى غرضهم الدنيء، وإن كانوا قد استمالوا قلة ممن ليس لهم دراية بعلوم الدين بصفة عامة، وبعلم مصطلح الحديث بصفة خاصة. ومن بين المطايا التي ركبها البعض منهم لضرب أحد الصحابة الأجلاء وهو الصحابي أبو هريرة رضي الله عنه، وبالتالي التشكيك من خلاله في السنة النبوية ـ على اعتبار أن أبا هريرة أكثر الصحابة رواية للحديث عن رسول الله ، حيث بلغت حسب ما جاء في مسند بَقي بن مخلد: 5374 حديثا، مع أن طرقها إلى أبي هريرة ليست كلها محل التسليم عند علماء الحديث ـ وهذه المطية هي مطية الزيادة في الحديث؛ وخاصة حديث: (أفضل الصدقة ما ترك غنىً، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول. تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني. ويقول العبد: أطعمني واستعملني. ويقول الابن: أطعمني، إلى من تدعني؟. فقالوا: يا أبا هريرة: سمعت هذا من رسول الله . قال: لا، هذا من كيس أبي هريرة)1. فهناك من أطلق العنان لقلمه وبدأ في سب أبي هريرة، لأنه يزيد في أحاديث رسول الله ما يشاء؛ وهذا خطأ فادح وجهل بعلم مصطلح الحديث، لأننا إذا عرضنا المسألة على هذا العلم، سنجد أن هذه الزيادات أدخلها العلماء فيما يسمى بـ:”الحديث المُدْرَج”، وهو: (الذي اطلع في متنه أو إسناده على زيادة ليست منه)2. والإدراج نوعان3:

1 ـ إدراج في المتن:

وأكثر ما يكون في آخر الحديث، يتطوع بإدخاله بعض الرواة بعبارة منهم، يقصدون بها الإيضاح والتفسير. وقد يوجد هذا الإدراج أيضا في أول الحديث أو أثنائه.

ـ مثال على الإدراج في أول الحديث : ما رواه الخطيب من طريق أبي قطن وشبابة عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ( أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار)، فعبارة: (أسبغوا الوضوء) في أول الحديث ليست من كلام الرسول، الذي لم يزد أن قال: (ويل للأعقاب من النار) ولكن أبا هريرة أدرج العبارة السابقة، فوهم أبو قطن وشبابة في روايتهما عن شعبة، وظناها من قول الرسول لا من قول أبي هريرة. والسبب الذي جعل معرفة الإدراج في هذا الحديث هي الروايات الكثيرة الأخرى التي جاءت خالية من العبارة المذكورة.
ـ مثال على الإدراج في أثناء الحديث : ما رواه النسائي من حديث فضالة مرفوعا: ( أنا زعيمْ ـ والزعيم الحميل ـ لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة)، فعبارة: (والزعيم الحميل) لم تكن في أصل الحديث من كلام رسول الله، وإنما هي مدرجة أدخلها ابن وهب ـ أحد رواة الحديث ـ تفسيرا للفظ (زعيم) الذي ظنه غير واضح في السياق.
ـ مثال على الإدراج في آخر الحديث : حديث أبي هريرة المذكور في البداية، وما رواه البخاري عن أبي هريرة مرفوعا : (للعبد المملوك أجران، والذي نفسي بيده لولا الجهاد والحج وبرّ أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك)، فرسول الله اكتفى بقوله : (للعبد المملوك أجران) غير أن أبا هريرة تكفّل بإيضاح هذين الأجرين بقسمه بتمني الرق، ومثل هذه الأمنية يستحيل أن تساور قلب النبي الذي جاء بتعاليمه يدعو إلى تحرير الرقيق، فضلا عن أن أمه عليه السلام توفيت وهو صغير، فلا يمكن قطعا أن تكون العبارة من قوله صلوات الله عليه.

2 ـ إدراج في السند :

وهو مرجعه في الحقيقة إلى المتن، وأهم صوره اثنتان: الأولى: أن يجمع راوٍ على إسناد واحد حديثا ذا أسانيد مختلفة، من غير أن يومئ إلى اختلاف تلك الأسانيد في الأصل. والثانية : أن يكون الحديث عند أحد الرواة بإسناد، ولديه حديث آخر بغير ذلك الإسناد، فيأتي راوٍ ويروي عنه الحديثين بإسناده، ويدرج الحديث الآخر من غير بيان.

ـ دواعي الإدراج :

ودواعي الإدراج كثيرة؛ منها تفسير بعض الألفاظ الغريبة في الحديث النبوي، ومنها تبيان حكم شرعي يمهِّد له الراوي بقول النبي، ويكون ذلك من الإدراج في أول المتن، ومنها استنباط حكم من حديث النبي، وذلك يكون من الإدراج في وسط المتن أو في آخره. لذا كان الزهري وغيره من الأئمة لا يرون بأسا بالإدراج لتفسير الغريب ونحوه. أما تعمد الإدراج لغير هذه الدواعي؛ فهو حرام بإجماع أهل الحديث والفقه.

ـ درجة الحديث المُدْرَج :

فهو لا يكون صحيحا أو حسنا إلا ما عُرفت فيه العبارة المدرجة، وعُلم أن الغرض من ذكرها مجرد الإيضاح والتفسير، وأن الحديث في أصله خالٍ منها ليس فيه إلا أقوال النبي الكريم في المرفوع، أو في أقوال صحابته والتابعين في الموقوف والمقطوع.

خلاصة :

إذن من خلال هذا تتضح لنا الرؤية جيدا، فتكون إدراجات أبي هريرة وغيره من الصحابة ـ وحتى الرواة من بعدهم ـ على سبيل التفسير والإيضاح، وتبين الأحكام الشرعية، وخصوصا وأنهم ـ الصحابة ـ كانوا مُعلِّمين هادين ومبلغين عنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
1- هناك روايات أخرى أخرجها البخاري عن أبي هريرة ليس فيها ذاك الإدراج، وهي: ـ حدثنا عبدان قال: أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة (ض) عن النبي قال: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول). ـ عن وُهيب قال: أخبرنا هشام عن أبيه عن أبي هريرة (ض) عن النبي قال:( (الحديث نفسه). ـ حدثنا سعيد بن عُفير، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة: (الحديث نفسه).
2- انظر علوم الحديث ومصطلحه لصبحي الصالح، ص.244، وقارن بالباعث الحثيث،ص.80.
3- انظر علوم الحديث ومصطلحه لصبحي الصالح، ص.244 إلى 248 (بتصرف).

عن موقع: فاس نيوز

About محمد الفاسي