كلمة رئيس النيابة العامة بخصوص العدالة الجنائية وآليات تجويدها بين متطلبات تحقيق النجاعة وتعزيز القيم والأخلاقيات المهنية

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

السيد محمد الدخيسي والي الأمن مدير الشرطة القضائية، نيابة عن السيد المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني؛

-السيد العميد محسن بوخبزة، رئيس المصلحة المركزية للشرطة القضائية، نيابة عن السيد الفريق الأول قائد الدرك الملكي؛

السيد ممثل الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛

السادة المسؤولون بالإدارة المركزية برئاسة النيابة العامة والإدارة العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي؛

السادة المسؤولون القضائيون ؛

-السادة قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق؛

– السادة ضباط الشرطة القضائية؛

حضرات السيدات والسادة الأفاضل كل باسمه وصفته والتقدير الواجب لشخصه.

إنه لشرف كبير أن ألتقي بكم في هذا اليوم المبارك لافتتاح أشغال هذه الدورة التكوينية التي تحتضنها مدينة أكادير عاصمة سوس العالمة والتي تندرج ضمن سلسلة الدورات التكوينية الجهوية التي تنعقد تحت عنوان: «العدالة الجنائية وآليات تجويدها بين متطلبات تحقيق النجاعة وتعزيز القيم والأخلاقيات المهنية”.

وبهذه المناسبة أود أن أرحب بكافة الحاضرين معنا من مسؤولين قضائيين وقضاة                               ومسؤولين أمنيين بكل من الأمن الوطني والدرك الملكي منوهاً بما تبذلونه من مجهودات وتضحيات في سبيل الحفاظ على سلامة وأمن الأشخاص والممتلكات وحب الوطن والدفاع عن مصالحه العليا تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

كما أود بهذه المناسبة أن أتوجه بالشكر الجزيل والموصول للسيد المدير العام للإدارة العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، والسيد قائد الدرك الملكي على التفاعل الإيجابي والمستمر مع مبادرات رئاسة النيابة العامة الرامية إلى تعزيز التواصل والتنسيق بين مختلف المنتسبين للعدالة الجنائية منوها بمستوى علاقة التعاون القائم بين مؤسساتنا وبكل أشكال الدعم والمساعدة التي يقدمانها للعدالة.

حضرات السيدات والسادة؛

إن انعقاد هذه الدورة التكوينية اليوم بمدينة أكادير تأتي بعد سلسلة الدورات التي انعقدت بكل من فاس و مراكش و الدار البيضاء، و تهدف هذه اللقاءات التواصلية الجهوية التي تنظمها رئاسة النيابة العامة بشراكة مع المديرية العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي إلى تعزيز  أواصر التعاون والتنسيق الذي يجمع هذه المكونات من جسم العدالة، كما يأتي انعقادها أيضاً في سياق تتبع تنفيذ مخرجات اللقاء التواصلي المنعقد برحاب المعهد العالي للقضاء يومي 11 و 12 يونيو 2021، والتي تمخضت عنه مجموعة من التوصيات لاسيما في الشق المتعلق بتعزيز التواصل وتشجيع عقد اللقاءات بين مكونات أجهزة العدالة الجنائية محلياً وجهوياً ومركزياً.

 وسيستفيد من هذه الدورة التكوينية مسؤولون قضائيون عن النيابات العامة ونوابهم الأولون، وكذا قضاة التحقيق ومسؤولو الشرطة القضائية التابعون للإدارة العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي العاملون جميعهم بالدائرة القضائية لمحاكم الاستئناف بكل من أكادير، كلميم والعيون، ويعكس تنظيم هذه اللقاءات التواصلية أحد تجليات المقاربة التشاركية التي تحرص عليها رئاسة النيابة العامة في إطار انفتاحها على كافة مكونات العدالة الجنائية من أجل تدارس ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك. هذا الخيار الذي تتبناه رئاسة النيابة العامة يعكس أيضاً علاقات التعاون والتنسيق المستمر مع الرئاسة المنتدبة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في شأن كل ما يخدم مصلحة العدالة ويساهم في الرفع من قدرات المنتمين لها، وهو ما يتجلى في تعيين السيد الرئيس المنتدب لثلة من السادة قضاة التحقيق للمشاركة معنا في أشغال هذه الدورة التكوينية والاستفادة من محاورها لطرح الصعوبات التي تعترضهم في ممارستهم المهنية والتي تتقاطع مع عمل النيابة العامة والشرطة القضائية.

وبهذه المناسبة أتوجه للسيد الرئيس المنتدب بجزيل الشكر على ما يقدمه من دعم مستمر لرئاسة النيابة العامة ولكل الجهود التي تهدف إلى تعزيز القدرات المهنية للقضاة.

وإننا لنراهن على نجاح أشغال هذه الدورة التي تجمعنا اليوم إسوة بسابقتها والتي عكست بلا أدنى مجال للشك مستوى التنسيق العالي والتعاون المثمر بين الجهات المنظمة وسعيها الأكيد لتحقيق الأهداف المسطرة خدمة للعدالة ببلادنا.

حضرات السيدات والسادة؛

 إن الرفع من مستوى العدالة الجنائية ببلادنا وتجويد آلياتها يعتبر من بين أحد أهم الأهداف التي نسعى إليها جميعا من خلال هذه اللقاءات التواصلية، وهذا ما يعكس الرغبة التي تحدونا جميعا من أجل استعراض وضعية العدالة الجنائية ببلادنا والبحث عن أحسن الأساليب لتجويد الأبحاث الجنائية المرتبطة بها وتطوير آلياتها وتعزيز مرتكزاتها القائمة على تأهيل المكلفين بإنجازها من ضباط الشرطة القضائية والمشرفين عليها من قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق لتحقيق عدالة قوامها الفعالية وجودة الأداء. وهو الرهان الذي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تثمين وترصيد المكتسبات من جهة، وتشخيص مكامن الضعف وتحديد الإكراهات التي تعترض القائمين عليها والسعي لإيجاد الحلول المناسبة لها من جهة ثانية. هذه الغاية هي التي تجمعنا اليوم في هذا اللقاء التواصلي المهني والذي يشكل فضاء للتفكير الجماعي في شأن كل ما يتصل بمجال العدالة الجنائية.

 و في هذا الإطار لا يخفى عليكم أن البحث الجنائي  يعد من المداخل الأساسية لإرساء قواعد المحاكمة العادلة التي يشكل وجوب احترمها مبدأً كونيا ودستوريا راسخاً، كما يعد آليةً تمكن الضحايا والمشتكين من بسط تظلماتهم وشكاياتهم تكريساً لتيسير الولوج إلى العدالة باعتباره من الحقوق الدستورية المكفولة للأفراد، وفي هذا الإطار فكلما حرص الشخص المكلف بالبحث الجنائي على حسن استقبال المشتكين والضحايا والتواصل معهم، وكلما سعى إلى احترام الضمانات المخولة للأطراف ومراعاة الشكليات والضوابط الإجرائية الناظمة لإنجاز الأبحاث، كلما ساهم ذلك في تعزيز ضمانات شروط المحاكمة الجنائية وأدى إلى الرفع من منسوب ثقة المتقاضين في عدالتهم.

 من هذا المنطلق يقع على عاتق المكلفين بإنجاز الأبحاث الجنائية والمشرفين عليها الحرص على ضمان تمتع المشتبه فيهم بكافة الضمانات التي خولها لهم القانون، من قبيل إشعارهم بالأفعال المنسوبة إليهم، والحق في التزام الصمت، والحق في المساعدة القانونية، والحق في مؤازرة الدفاع، واحترام مدة الوضع في الحراسة النظرية وضوابط تمديدها والاستفادة من التغذية واحترام الكرامة الإنسانية، وما إلى ذلك من الضوابط المؤطرة للبحث الجنائي، على اعتبار أن الإخلال بهذه الحقوق يشكل أساسا للدفوع الشكلية التي قد يثيرها الدفاع أثناء المحاكمة فضلاً عما تشكله من مساس بالضمانات الأساسية لشروط المحاكمة العادلة، وهو ما قد يترتب عنه التصريح ببطلان المحاضر أو الإجراء المعيب، علماً أن هذه الإخلالات قد تكون في بعض الأحيان مدخلا لتقديم تظلمات أو شكايات أمام القضاء الوطني أو بلاغات فردية أمام المؤسسات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الانسان مع ما قد ينجم عن ذلك من تداعيات سلبيات على صورة العدالة ببلادنا  على الرغم من المجهودات الجبارة التي يتم بذلها في سبيل تكريس حماية الحقوق والحريات وتفعيل شروط المحاكمة العادلة وفق ما ينص عليه دستور المملكة والمواثيق الدولية ذات الصلة بالموضوع.

كل هذه الانشغالات تبرر  بشكل جلي الأهمية القصوى التي يحظى بها البحث الجنائي باعتباره من المقومات الأساسية للعدالة الجنائية وأحد المؤشرات التي يَرْكَنْ  إليها كل متتبع لها ، وهذا ما يقتضي منا جميعاً القيام بعملية تقييم لواقع إنجاز الأبحاث الجنائية تعتمد على  تشخيص دقيق لهذا الواقع  يمكن من خلاله ترصيد المكتسبات والممارسات الجيدة، و في نفس الوقت رصد الصعوبات التي قد تعيق إنجازها بالشكل المطلوب، ومن دون شك فأنتم من خيرة المسؤولين الساهرين على إنفاذ القانون، لكم من التجارب والممارسة المهنية ما يكفي لبلورة تصورات وأفكار قادرة على إيجاد الحلول للإشكاليات القانونية والواقعية واقتراح الحلول الكفيلة لتجاوزها والرفع من نجاعة عدالتنا .

حضرات السيدات والسادة؛

إن أهمية البحث الجنائي تبرز من خلال الحجية التي أضفاها  المشرع المغربي على محاضر الشرطة القضائية لا سيما في الجنح بمقتضى المادة 290 من قانون المسطرة الجنائية، وأمام هذه القيمة القانونية التي أحاط بها المشرع عمل ضابط الشرطة، فإن ذلك يقتضي إبراز دور المحقق الذي ينبغي أن يتمثل في تجميع كافة المعطيات الضرورية للبحث واستخلاص الأدلة المفيدة من مسرح الجريمة بشكل احترافي وإدارة عملية الاستماع لأطراف القضية بمهنية عالية، وأن يعمل على إبراز مجهوده الشخصي في كل ما قام به من إجراءات من أجل إظهار الحقيقة، بما يُمكن من إنجاز محضر قانوني يمكن للعدالة أن تركن إليه كوسيلة إثبات للوقائع المعروضة عليها من جهة، وبالشكل الذي يجعل ذلك المحضر يعكس مستوى المؤهلات العلمية والمهنية التي يتسم بها ضابط الشرطة القضائية الباحث وذلك حتى يتأتى اعتماده من طرف كل ضابط للشرطة قضائية خلال ممارسته لمهامه  كمحضر نموذجي يمكن الاستئناس به في الأبحاث التي يقوم بها.

فأمام ما باتت تعرفه الجريمة من طابع عابر للحدود مستغلة في ذلك الطفرة الهائلة التي عرفها العالم في مجال التكنولوجيا والاتصال والذي أفرز بروز أشكال مستحدثة من الجرائم، فإن ذلك أصبح يقتضي لزاماً تطوير مهارات وقدرات الأشخاص المكلفين بإنجاز الأبحاث الجنائية والمشرفين عليها من خلال اعتمادهم للوسائل العلمية والتكنولوجية الحديثة لفك ألغاز الجريمة وملاحقة المجرمين واعتماد الخبرات التقنية والعلمية بمختلف أشكالها وتقوية مهاراتهم للتعامل مع الأدلة الرقمية وغيرها.

وفي هذا الإطار أود أن أشير إلى أن القضاء المغربي بدوره عرف تحولاً مهماً بخصوص اعتماده على الدليل العلمي في تكوين قناعته كوسيلة إثبات في العديد من الجرائم  من بينها على سبيل المثال بعض الجرائم التي قيدها القانون بشكليات معينة كما هو الشأن بالنسبة لجريمة الخيانة الزوجية او جرائم العرض التي اشترط القانون لإثباتها إما حالة التلبس أو الاعتراف حيث لم يعد مقيداً بهذه الشكليات في ظل التطور التكنولوجي الذي يمكن أن يساعد في إثبات هذا النوع من الجرائم، حيث اعتمد تسجيلات الكاميرات كوسيلة لإثبات الخيانة الزوجية، كما اعتمد أيضا الخبرة الجينية كوسيلة لإثبات جرائم العرض. وهذا ما يقتضي من أجهزة إنفاذ القانون مواكبة التطور العلمي والتكنولوجي والرقمي واكتساب مهارات توظيفه في مجال محاربة الجريمة.

حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛

إن الرفع من مستوى العدالة الجنائية و تطوير آلياتها لا يتوقف فقط على الرفع من جودة الأبحاث وتحديث آليات وأساليب اشتغالها وتأهيل العاملين بها، فعلى الرغم من أهميتها إلا أنها لا تكفي لوحدها ما لم نستطع كسب ثقة متتبعي العدالة وثقة  المتقاضين وأطراف الدعوى في هذه الأبحاث ونرفع من منسوب ثقتهم فيها، ولذلك تعتبر قيم  النزاهة والتحلي بالأخلاق المهنية أحد أهم المقومات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها العاملون في مجال العدالة، فلا يخفى على حضراتكم أن تخليق الحياة العامة يشكل أحد التوجهات الملكية السامية التي ما فتئ جلالة الملك يؤكد عليها في خطبه السامية ، ومن بينها ما ورد في نص رسالة جلالته السامية الموجهة إلى المشاركين في الندوة الوطنية حول دعم الأخلاقيات بالمرفق العام التي نُظمت بالرباط بتاريخ 29/10/1999 والتي جاء فيها (….. وإن تصاعد الاهتمام الدولي خلال السنوات الأخيرة بمشكلة الفساد الإداري ليضاعف من اجتهادنا لتحقيق مانحن بصدده من ربط المفهوم الجديد للسلطة بمفهوم الخدمة العامة وصيانة الحقوق وحفظ المصالح واحترام الحريات والقوانين. وفي ذلكم تلبية لما يحض عليه ديننا و أخلاقنا وتنص عليه مواثيق الأمم المتحدة من ضرورة العمل على تلافي مخاطر الرشوة واللامبالاة والإهمال عمدا أو جهلا أو ما إليهما مما يحول دون توفير أسباب النماء والتقدم)  .

 كما جاء في الخطاب الملكي السامي الذي وجهه جلالته دام عزه ونصره ، يوم الثلاثاء 30 يوليوز 2013، إلى الأمة بمناسبة الذكرى الرابعة عشر لاعتلائه عرش أسلافه الميامين والذي جاء فيه ما يلي:

 (ومهما تكن أهمية هذا الإصلاح، وما عبأنا له من نصوص تنظيمية، وآليات فعالة، فسيظل “الضمير المسؤول” للفاعلين فيه، هو المحك الحقيقي لإصلاحه، بل وقوام نجاح هذا القطاع برمته).

كما جاء أيضا في خطابه السامي الموجه إلى الأمة يوم الإثنين 29 يوليوز 2019 بمناسبة الذكرى العشرين لاعتلائه عرش أسلافه الميامين ما يلي :  (فالقطاع العام يحتاج، دون تأخير، إلى ثورة حقيقية ثلاثية الأبعاد: ثورة في التبسيط، وثورة في النجاعة، وثورة في التخليق) انتهى النطق الملكي السامي.

وتفعيلاً لهذه التوجهات الملكية السامية بادر المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى وضع مدونة للأخلاقيات القضائية حددت مجموعة من قواعد السلوك التي ينبغي على القضاة إما الالتزام بها أو تفاديها في حياتهم المهنية وسلوكهم الشخصي بما يحافظ على هيبة القضاء وحرمته ويسهم في إذكاء ثقة المواطن في العدالة. وتتقاطع هذه المدونة بخصوص ما تضمنته من مبادئ أخلاقية مع مدونة قواعد السلوك التي وضعتها المديرية العامة للأمن الوطني بالنسبة لموظفي الأمن الوطني وأيضا مع ميثاق الأخلاقيات والسلوك الذي وضعته قيادة الدرك الملكي بالنسبة لمنتسبيها حيث تتقاسم هذه المدونات قواعد للسلوك تنصب في مجملها على قيم أخلاقية ومهنية نبيلة من قبيل النزاهة والتجرد والشرف والحياد التي ينبغي التحلي بها خلال مباشرة المهام المذكورة كل من موقعه.

وإذا كانت مدونات وقواعد السلوك تشكل إطاراً مرجعياً لفرض الأخلاقيات المهنية، فإن دور أجهزة الرقابة الإدارية وهيئات التفتيش في هذا المجال يبقى أساسياً ومحورياً للإسهام في فرض احترام وتفعيل هذه القواعد والانضباط لمبادئها دون أن نغفل دور الرقمنة التي أصبحت تشكل في وقتنا الراهن إحدى الآليات المعززة للشفافية والنزاهة، وهو ما يقتضي منا التفكير الجماعي لإيجاد حلول مبتكرة بغية تعزيز الربط المعلوماتي بين مختلف أجهزة العدالة الجنائية والمعنيين بها، والعمل على التسريع من وتيرة رقمنة الخدمات.

فالتشبع بمبادئ النزاهة والشرف وبباقي القيم الأخلاقية يعتبر من بين المداخل  التي لا محيد عنها للرفع من منسوب ثقة المتقاضين وتحقيق رضاهم على العدالة، وضمانة من ضمانات تحقيق شروط المحاكمة العادلة، كما أن تعزيز القيم الأخلاقية في الممارسة المهنية يبقى من بين المتطلبات الأساسية لتنزيل خلاصات تقرير النموذج التنموي الجديد بهذا الخصوص، وذلك حتى تتبوأ عدالتنا المكانة التي تستحقها وتكون في مستوى ما يتطلع إليه جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

ولابد من التأكيد في هذا الإطار على أن تعزيز علاقات التعاون والتنسيق بين المسؤولين عن النيابات العامة وعن مصالح الشرطة القضائية بشكل وثيق ومتواصل وصريح هو الكفيل الأساسي بتفعيل مبادئ هذه القيم والأخلاقيات المهنية سواء من خلال عقد لقاءات تواصلية أو دراسية محلية أو جهوية أو من خلال اعتماد مقاربة تشاركية لمواجهة بوادر كل انحراف أو إخلال قد تبدو معالمه أحياناً.

حضرات السيدات والسادة، أيها الحضور الكريم؛

لا يسعني في ختام هذه الكلمة إلا أن أجدد شكري للسيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وللسيد المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني،  والسيد قائد الدرك الملكي على تفاعلهم مع مبادرة رئاسة النيابة العامة وانخراطهم الجاد والمسؤول في كل المبادرات التي تروم تعزيز التعاون والتنسيق للرفع من مستوى نجاعة العدالة ببلادنا، والشكر موصول كذلك لكافة المسؤولين القضائيين على النيابات العامة وقضاتها وقضاة التحقيق ومسؤولي الشرطة القضائية بالإدارات المذكورة وضباطها على تكبدهم مشاق السفر لحضور أشغال هذا  اللقاء وما يتحلون به من مسؤولية وحس مهني عال سيسهم لا محالة في إنجاح الأهداف المتوخاة من هذه الدورة التكوينية بغية الرفع من مستوى الأبحاث الجنائية وتجويدها وتعزيز التواصل وتكريس الأخلاق المهنية وفق ما يقتضيه القانون والمرجعية الدستورية والمواثيق الدولية. آملا أن تمهد هذه الدورة التكوينية لعقد ندوات ودورات تكوينية أخرى بشكل منتظم بين النيابة العامة ومكونات الشرطة القضائية سواء على المستوى المحلي أو الجهوي وهو ما سيمكن من حضور أكبر عدد ممكن من ضباطها تعميماً للفائدة ومن أجل مواصلة النقاش أيضاً بشأن محاور هذا اللقاء وإغنائه بأفكارهم ومقترحاتهم وصياغة الحلول الكفيلة بتجاوز الصعوبات التي تعترض القيام بالمهام المشتركة.

والشكر موصول أيضاً لكل من ساهم في تنظيم هذا اللقاء العلمي المتميز وكذلك  لكافة السادة المتدخلين الذين سيغنون بمداخلاتهم ونقاشاتهم أشغال هذه  الدورة التكوينية، آملاً أن تشهد هذه الأخيرة نقاشاً هادفاً ورصيناً ينصب على رصد الإشكالات والصعوبات العملية المطروحة على الصعيد المحلي والتي تعترض قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق وضباط الشرطة القضائية في تدبيرهم للأبحاث وباقي المهام المرتبطة بالعدالة الجنائية، واقتراح الحلول وإيجاد الصيغ الكفيلة بمعالجتها داعياً إلى صياغة ما ستتمخض عليه أشغال هذه الدورة وباقي الدورات من توصيات ومقترحات قادرة على الرفع من مستوى العدالة الجنائية ببلادنا حتى تكون في مستوى تطلعات صاحب الجلالة الملك محمد السادس دام له النصر والتأييد، وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وكافة أسرته الشريفة إنه سميع مجيب.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

         م. الحسن الداكي

         الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض

            رئيس النيابة العامة

عن موقع: فاس نيوز

About محمد الفاسي