دور المرأة المغربية في التنمية الإجتماعية !!

كتاب و آراء – تعد المرأة شريكا أساسيا في تحقيق أهداف التنمية وتطوير المجتمع، وقد شهدت العقود الأخيرة، وخاصة فترة ما قبل الحراك العربي، اهتماما متزايدا بالدور الذي تضطلع به المرأة داخل المجتمعات العربية، خصوصا أنه لا يمكن حدوث أية تحولات أو تقدم دون دور فاعل للمرأة. وقد فطنت الدول الغربية لهذا الأمر، ولأهمية تفعيل دور المرأة داخل المجتمع، وآمنت بأنه لا تقدم فعليا دون إشراك المرأة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وعلى هذا الأساس، صدر العديد من الاتفاقيات منذ القرن الماضي
تُعد المرأة عضوًا أساسيًا وهامًا جدًا في أي مجتمع، ولا يمكن التغاضي عن الدور المهم التي تقوم به، فالمرأة قبل كل شيء هي الأم وهي التي تُنجب وتربي وتنشئ الأجيال التي على سواعدها ستُبنى الأمم، والمرأة هي القادرة على العمل خارج المنزل وداخله، حيث إن التجارب الحياتية أثبتت أن المرأة عنصرًا هامًا أسهم في بناء في المجتمع، ولها قدرة على تحمل المسؤوليات التي تُعطى إليها سواء كان على صعيد العمل أو على صعيد المنزل، وسيتحدث هذا المقال بشكل خاص عن دور المرأة في تنمية المجتمع.
وتبقى قضية المرأة محكًا حقيقيًّا لتقدم وتطور الشعوب العربية، ودليلا على توازن المجتمع وانتقاله إلى مصافِّ المجتمعات الديمقراطية؛ بل إن هناك ارتباط وثيق بين تحرر المجتمع وتحرر المرأة، يعتبر مقياسا لمدى انفتاح المجتمع في الداخل وفي الخارج .
أولا : دور المرأة في المجتمع :
يتطلّب دور المرأة في المجتمع الحديث ثقةً بالنفس، وسموّاً في الطموح والأفكار، بالإضافة إلى المبادرة، والمواظبة، والرغبة الكامنة في العمل والإنجاز والإبداع، فالمرأة هي الأم والقائدة القادرة على تربية شباب وشابات المجتمع تربيةً طيبة، وهي الأكثر تأثيراً فيهم وإسهاماً في نجاحاتهم؛ لذلك يُعدّ دور المرأة من أكثر الأدوار الإنسانية تأثيراً في المجتمع، وقد أثبتت المرأة في الوقت الحاضر أنّها تستطيع أن تتكيّف مع تطوّر الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة بها، ويؤكّد تقدّمها الملحوظ في المجالات التي تتطلّب المعرفة والنقاش والعمل على ذلك، فقد أثبتت المرأة استغلالها لقدراتها الإدارية وأثبتت نجاحها وكفاءتها في رعاية البيت والأسرة وفي جميع مجالات الحياة الأخرى، وفيما يأتي بيانٌ لأبرزِ أدوار المرأة ومساهماتها في الحياة والمُجتمع .
ثانيا : دور المرأة في الأسرة
تكمن أهمية دورُ الأمومةِ في حياة المرأة إلى كونه عاملاً أساسيّاً في قيام الحضارات والأمم، فمن دونه لا يُمكن أن يكون هناك علماء وعُظماء يُساهمون في تغيير الواقع بما يُفيد الإنسانية، ويشمل دورُ الأمومة الكثير من الأدوار الفرعية المهمّة لضمان الاستقرار العاطفي والنفسي لأفراد العائلة، وبناء شخصيات مُتّزنة تتمتّع بالقيم والأخلاق الحميدة ممّا ينعكس على المجتمع ككلّ، سواء كان ذلك عبر اهتمام المرأة بأفراد العائلة ومشكلاتهم، أو الدعم العاطفي والنفسي لهم وتثبيتهم واحتوائهم خاصّةً في أوقات الشدائد،[٣] إلى جانب تربية الأطفال وتنشئتهم على مبادئ الحياة الاجتماعية والعادات السليمة، وتعزيز طاقاتهم، وزيادة وعيهم في الأمور الدينية، والفكرية، والسياسية، والثقافية التي من شأنها ترسيخ القيم والسلوكيات الصحيحة.[٤] تتميّز المرأة بقدرتها الطبيعية على رعاية الآخرين والشعور بهم، ويُساهم ذلك في زيادة شعورها بزوجها وفهمه، ومعرفة ما إذا كان يشعر بالضيق أو يُعاني من شيء ما، فتسنده فتدعمه وتُخفّف عنه بدورها،[٥] كما أنّ دعمها العاطفي له وتشجعيه على مشاركتها شعوره يزيد من ثقته بها، وبالتالي تزداد قدرته على مصارحتها بأفكاره ومشاعره العميقة ممّا يدعم علاقتهما، فعادةً ما تدعم المرأة زوجها وتُشجّعه على السعي نحو تحقيق أحلامه وطموحاته، وتكون أكثر من يحترم أفكاره من خلال اللجوء إليه والأخذ برأيه،[٦] بالإضافة إلى ذلك أصبحت المرأة قادرةً على مساعدة زوجها في توفير احتياجات ومستلزمات المنزل، ومعاونته على تأمين حياة اقتصادية واجتماعية مناسبة عن طريق عملها في وظيفة أو مشروع خاص.[٤]

ثالثا : دور المرأة في سوق الشغل :
ازدهر دور المرأة في سوق العمل خلال العقود القليلة الماضية نتيجة عدّة عوامل سمحت لها بإثبات نفسها في مختلف مجالات العمل؛[٨] كمعلمة، أو طبيبة، أو مهندسة، أو غيرها من المهن،[٩] فخلال الخمسين عام الماضية شهد العالم زيادةً كبيرةً في مشاركة المرأة في جميع مجالات العمل،[١٠] وتكمن أهمية مشاركة المرأة في سوق العمل في دورها الفعّال في مكافحة الفقر ورفع المستوى المعيشي لأسرتها من خلال ما يوفّره عملها من دخل يدعم ميزانية الأسرة،[١١] كما يُعزّز عمل المرأة الرسمي وغير الرسمي مشاركة المجتمع في دعم الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى أهمية الأعمال التجارية الصغيرة للنساء التي قد تُشكّل أساساً اقتصادياً للأجيال القادمة.[١٢]
رابعا : دور المرأة في الجانب السياسي :
تشغل المرأة مناصب سياسية قيادية على المستوى المحلي والدولي في معظم دول العالم، فقد ازدادت نسبة مشاركة المرأة في البرلمانات الوطنية على مستوى العالم في العقدين الماضيين، إذ كانت النسبة في عام 1998م حوالي 11.8%، ثمّ ارتفعت تدريجياً حتّى وصلت إلى 17.8% في عام 2008م، وبعد ذلك وصلت إلى 23.5% في عام 2018م، وتُعدّ مشاركة المرأة السياسية عاملاً أساسيّاً لتحقيق الديمقراطية والشفافية، إذ يتكامل دور المُشرّعين من الرجال والنساء في حلّ المشكلات المتعدّدة لبناء مجتمعات ديمقراطية قوية.[١٣] تُساهم مشاركة المرأة السياسية في إضافة مبادئ وقيم تتعلّق بتحقيق الإنصاف، والتعاون، والمرونة، وتتوازن مع قيم ومبادئ الرجال الموجودين في المجال السياسي، كما تُحقّق مشاركة المرأة السياسية نتائج ملموسةً في زيادة الاستجابة لمتطلّبات المواطنين، وتعزيز التعاون بين الأحزاب العرقية المختلفة، ولفت الأنظار إلى عدّة قضايا سياسية وتقديم اقتراحات وحلول لها، فقد بيّنت الأبحاث أنّ تمكين المرأة في العمل السياسي له أثر مباشر في سنّ المزيد من القوانين والسياسات التي تُعطي أولويةً للعائلات، والنساء، والأقلّيات العرقية.[١٣]

خامسا : دور المرأة في المجال الزراعي :
وفقاً للدراسات فإنّ النساء يُمثّلن 43% من القوى الزراعية في البلدان النامية، حيث تُساهم المرأة بشكل أساسيّ في الأنشطة الزراعية والاقتصادية الريفية في البلدان النامية، ويختلف دورها اختلافاً كبيراً بين منطقة وأخرى؛ فهي تعمل كمزارعة في مزرعتها الخاصّة أو في مزرعة أسرتها، كما قد تعمل في مزارع ومؤسّسات ريفية أخرى، ويتمثّل دور المرأة في قطاع الزراعة في إنتاج المحاصيل الزراعية، وجلب الماء، واستزراع الأسماك، والعناية بالحيوانات، والعمل في التجارة والتسويق.[١٤]
سادسا : دور المرأة في المجال العسكري
تمكنّت المرأة من الانخراط في القوات المسلحة على مختلف المستويات، واستطاعت النساء في بعض البلدان العربية إثبات أنفسهنّ في الحياة العسكرية والتعمّق فيها، ويعود الفضل في توظيفهن وتدريبهن والإقرار بحقوقهن في المشاركة في القوات المسلحة إلى جهود الجيوش العربية،[١٥] وتختلف النسب المئوية بين عدد الرجال وعدد النساء في الجيش من دولة إلى أخرى، وذلك وفقاً للحاجة، والحوافز، والقوانين التي تعتني بانضمامهنّ للقوات المسلّحة، وتتراوح هذه النسب بين 5-25% أو أكثر في بعض الجيوش، وتُساهم النساء في القوات المسلّحة في عدّة مجالات؛ كالإدارة، والمراقبة، والصحة، والهندسة، والإطفاء، وحراسة المواكب.[١٦]
سابعا : دور المرأة في مجال الصحي
يُعدّ دور المرأة في المجال الطبي دوراً أساسيّاً على مستوى العالم في مختلف التخصصات الطبية، سواء كانت طبيبة، أو ممرضة، أو قابلة، أو عاملة في مجال صحة المجتمع،[١٧] فقد تمكنت النساء في هذا العصر من النجاح في إدارة المستشفيات، وأخرياتٍ قد تمكنّ بإنجازاتهن الطبية من الحصول على جائزة نوبل، كما أثبتت العديد من الطبيبات قدرتهنّ على الجمع بين العلم والكفاءة الطبية من جهة واللطف والرعاية النفسية للمريض من جهةٍ أخرى، فاستطعن إثبات أهمية دورهنّ القيادي في القطاع الصحي عبر إنجازاتهن الكثيرة وأدوارهن الفاعلة التي ساهمت في تحسين الخدمات الصحية والعلاجية من خلال وضع الخطط والاستراتيجيات التي ساهمت في نهوض القطاع الصحي.[١٨] شهد التاريخ العديد من الأسماء البارزة لطبيباتٍ قد تميّزن نتيجة اجتهادهنّ في عملهنّ في تطوير المجال الطبي، واكتشاف الأدوية، وعلاج الأمراض،[١٨] كما ساهم دخول المرأة في الحقل الطبي في إيجاد أساليب جديدة في أنظمة الرعاية الصحية، والعلاقة المهنية في التعامل مع المرضى، وقد أدّت مشاركة المرأة في المجال الطبي إلى عمل أبحاث متخصصة في صحة المرأة والأمراض التي تُصيبها.[١٩]
ثامنا : دور المرأة في العمل الجمعوي
يُعدّ دور المرأة في العمل التطوعي فعّالاً جدّاً، خاصةً في الأعمال التطوعية التي يُمكن أن تُلبّي فيها حاجات غيرها من النساء؛ وذلك بسبب بعض المهارات التي تتميّز بها؛ كقدرتها على التعامل مع قلّة الموارد، وتنظيم الوقت، وأداء المهام المتعددة، ورعاية أفراد أسرتها دون مقابل، حيث يُمكن أن تُستثمر هذه المهارات من خلال إشراك المرأة في مؤسسات الأعمال التطوعية،[٢٠] ويعود ذلك بالنفع على المرأة، حيث تُساهم مشاركتها في العمل التطوعي في تطوير قدراتها، واكتساب مهارات جديدة، وزيادة فرصها في المشاركة الاجتماعية،[٢١] وإتاحة فرصة المشاركة في مجالات ومناصب جديدة؛ كقائدة ومديرة على وجه الخصوص، كما يُساهم ذلك في جعلها قدوةً يُحتذى بها، ومصدرًا لإلهام الآخرين ..
تاسعا : دور المرأة في تنمية المجتمع
إن الدول والمجتمعات الحكيمة والمتقدمة هي التي تعرف جيدًا مكانة المرأة في المجتمع، وقدرة المرأة على بناء المجتمع ودورها اللامحدود في ذلك، حيث إن المجتمعات المتقدمة تستفيد بشكلٍ كبير من قدرات المرأة في شتى المجالات، وهذا يدل على أن دور المرأة في تنمية المجتمع مهم جدًا، ويمكن ذكر دور المرأة في تمنية المجتمع كما يأتي:[٢] النساء هن القائمات على رعاية الأطفال والشيوخ والرجال في كل مجتمعٍ، وفي كل بلد في العالم، حيث إن بعض الدراسات أثبتت أنه عندما يتغير الاقتصاد والتنظيم السياسي لمجتمع ما على سبيل المثال تأخذ النساء زمام الأمور في مساعدة أسرتها على التكيف مع الظروف والتحديات الجديدة. دور المرأة كمعلمة مهم جدًا في المجتمع، حيث هي الأساس بتعلم المجتمع القراءة والكتابة، ويكمن مفتاح قدرة المجتمع والأمة على التطور بالتعليم بيدها، حيث أظهرت الأبحاث أن التعليم يحسن الإنتاجية الزراعية، ويعزز وضع الفتيات والنساء في المجتمع، ويقلل من معدلات النمو السكاني، ويعزز حماية البيئة ويرفع مستوى المعيشة. دور المرأة كعاملة في المجتمع من أهم أسباب تنمية المجتمع، حيث تبلغ حصة الإناث من القوى العاملة العالمية إلى 45.4%، حيث إن المجتمعات التي تعمل بها المرأة تتحول من مجتمعات تتمتع بالحكم الذاتي إلى مجتمعات مشاركة في الاقتصاد الوطني. دور المرأة كمتطوعة مهم في تنمية المجتمع، حيث يُساعد تطوع النساء في التطور الأكاديمي، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي وتوفير التعليم في مجال التغذية والصحة ومحو الأمية وغيره الكثير. المرأة العصرية مع مرور الزمن أثبتت النساء عن جدارة استحقاقهن مشاركة الرجال في بناء المجتمع وتطويره، ويعود سبب ذلك إلى النجاحات العديدة التي حققتها النساء في مختلف مجالات العمل، دائمًا كانت المرأة تعد الكائن الأضعف والذي يحتاج إلى رعاية وحماية واهتمام كونها عاجزة اقتصاديًا واجتماعيًا وعاطفيًا، ولكن مع مرور الوقت ومع تمكن المرأة من الاستقلالية والريادة في أغلب المجالات، لم تُعد المرأة الكائن الأضعف في أغلب المجتمعات، ولكن يجب على كل امرأة عصرية وعصامية التوفيق بين سائر واجباتها في آن واحد، وذلك يتضمن نطاق العائلة والبيت الزوجي والأولاد.[٣] وفي بعض الأحيان قد تضطر المرأة العصرية والعصامية على الاستقلالية والريادة، وذلك لدعم عائلتها وتوفير حياة أفضل لهم، وهذا ما يقوي شخصيتها ويجعلها تتمكن من التفوق على مخاوفها، ويزداد الضغط على المرأة في أنها لا يجوز إطلاقًا أن تتفوق في قطاع معين على حساب قطاع آخر، حيث يجب عليها الموازنة بين مختلف الأدوار التي تمثلها، حيث إن المرأة العصرية الناجحة هي تلك القادرة على التوفيق بين مختلف جوانب حياتها، وذلك بترتيب أولوياتها وجدول أعمالها للتأقلم مع أي تغيير يطرأ على حياتها .

بقي أن نشير في الأخير إلا أن المرأة المغربية اليوم وجدت نفسها تعيش على إيقاع هاجس تحصين المكتسبات التي حققتها منذ القدم ، وهو ما يعني أن المرأة المغربية مطالبة أكثر بمزيد من العمل، كما أن الحكومة المغربية والمجتمع ككل مطالبين بمزيد من الإنصاف والمساواة بين الجنسين، وإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات والبرامج التنموية وكل ما له علاقة بنهضة المجتمع. وفي الأخير يمكن التأكيد على أن مشاركة المرأة تبقى أمرا ضروريا وملحا يفرضه الواقع ويفرضه انخراط المغرب في مسلسل الديمقراطية والحداثة.

بقلم : مراد علوي ـ باحث في العلوم القانونية ـ برحاب كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية أكدال – جامعة محمد الخامس بالرباط .

المصدر : فاس نيوز

About أحمد النميطة