القاسم الانتخابي وأخلاق الرحمة بالأحزاب المفلسة سياسيا.
محسن الأكرمين.
لا زالت الديمقراطية المغربية فتية ولا تقدر على صدمة نتائج صناديق الاقتراع بالفجائية غير المحسوبة. لازالت الهندسة الانتخابية تروم إلى الإبقاء على حصيص التحكم السبقي، حيث كان ولازال هذا المسار يشكل هاجسا أوليا قبل أي استحقاق انتخابي. حقا، إنها الديمقراطية المغربية التي توظف القانون من أجل ضبط سيولة النجاح لكل حزب وكبح التنمر السياسي غير المجدي. لكن، من مميزات القاسم الانتخابي الجديد أنه أبقى أخلاقية العناية لأحزاب بعينها، وضمان بقائها ضمن المعادلة السياسية حتى خط النهاية .
إنه القاسم الانتخابي الجديد (الفريد من نوعه)، والذي يتم عبر قسمة أعداد الناخبين المقيدين بالدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها، ثم تتوزع المقاعد الباقية حسب قاعدة (أكبر البقايا). إنه تغيير عملة قانون الانتخابات لتصبح (بوجه واحد) كل الأحزاب المشاركة ناجحة بقدرة (القاسم الانتخابي) أو بقاعدة (أكبر البقايا). إنه تغيير يقوم على أساس توليفة ضمان التوازنات السياسية، و تنميط ناظم أساس لتقليم أظافر بعض الأحزاب المتطاولة على المشهد السياسي المغربي بالتنمر (أنا وحدي…).
تغيير صودق عليه بتكهنات (شوافة) الانتخابات، و بوليميك بخور(البلقنة) السياسية المفرطة. تغيير سيقفز على أعداد (شؤم بومة) الانتخابات من فئة المنقطعين (العصاة). تغيير بنكهة توابل التحكم في صبيب النجاح لكل الأحزاب. إذن، القاسم الانتخابي الجديد ، هو ضربة (معلم) من الأحزاب التي أحست بأن أجلها السياسي المحتوم سيتم بنهاية (زمن كورونا) وما بعد الانتخابات. نعم، هو قرار موجه بالأساس للمقاطعين وللأحزاب المستقوية، ورأفة بالأحزاب المنشطة للعبة السياسية. فالتعويم سينال من النتائج الكلية للأحزاب بدا، وقد نجد في برلمان المستقبل كل التشكيلات الحزبية بتمامها، وقد تصبح قبة البرلمان تحمل علامات المواسم السياسية بكل أطيافها وطوائفها.
قد نقول بالتعارض اللفظي، أن القاسم الانتخابي الجديد أصبح يحمل الايجابيات بسيئاتها، والسلبيات بحسناتها. نعم، من اليوم بات على الأحزاب السياسية أن تقامر بحظوظ تغطية كل الدوائر الانتخابية (91)، فضلا عن اللائحة الوطنية. والأحزاب التي لم تغط كل الدوائر فإنها لن تنال غير فتات ما تبقى عن الحزب الذي له القدرة على استيفاء كل الدوائر تغطية. فالقاعدة الجديدة من القاسم الانتخابي الجديد ” كل الأحزاب لها مقدار تمثيل الدوائر بقبة البرلمان بقدر تغطيتها (القاسم الانتخابي)، والصغرى منها ستنال قسمتها من قاعدة (أكبر البقايا) “.
من حسنات سلبية قرار القاسم الانتخابي الجديد أن تلك الأحزاب التي كانت سائرة في سكة الانقراض قد تم تطعيمها بجرعتين من داء فقدان المناعة وتحصين بقاء الاستدامة. حقيقة كلية في أخلاقيات اللعبة الانتخابية المغربية، أن أحزاب (المواسم الانتخابية) ستنال من قفة دعم النجاح، ومن القاسم الانتخابي الجديد بقاعدة (أكبر البقايا).
قد يتبادر إلينا أن تعديل القاسم الانتخابي يستهدف حزبا بعينه، لكن الحقيقة أنه يهمّ كل الأحزاب التي تجاوزت حصتها المائة أو قاربتها في آخر انتخابات، بين من سيزيد حسابيا وبين من يقتطع من نجاحاته. قد همّ إنقاذ أحزاب سياسية من التفكك و النسيان. قد نقول: أن من سيئات حسنات القرار الجديد حماية بعض الأحزاب من الاندثار. من هنا، كانت مقصد التعديل يروم أساسا، ضمان المشاركة السياسية للكل من خلال المؤسسة التشريعية، وفتح التمثيل البرلماني أمام الجميع. فالقاسم الانتخابي الجديد كان رحيما وعاطفيا وأخلاقيا تجاه الأحزاب السائرة في طريق التحلل والتسرب.
الكل يؤمن قطعا بمخرجات الديمقراطية رغم إن الاختلاف (موافقة 162 نائبا ومعارضة 104 نواب؛ فيما امتنع عن التصويت نائب برلماني واحد). اليوم ممكن لأي حزب أن ينال السبق العددي وليس الأغلبية المطلقة حتى في ظل تغطيته لكل الدوائر الانتخابية. أن ينال حصة ما فوق (المائة) إن استغل اللائحة الوطنية. اليوم، يكفي السياسة المغربية التباكي وخطاب المظلومية أو الاستئصال أو الإقصاء. اليوم، كفى من بعثرة أوراق الإرباك والتقزيم للفعل السياسي من منطلق القاسم الانتخابي الجديد. اليوم كفانا من استحضار القوة والتهديدات المترامية (عدم المشاركة في لعبة الانتخابات) من أجل الضغط أو تليين بعض الإجراءات المصادق عليها، اليوم يجب البحث عن الناخب بدل جدال توزيع المناصب.