الكبير الداديسي
في إطار الاهتمام بالرواية في أسفي، وعلى الرغم من قدم الرواية بهذه المدينة، وكثرة ما راكمه روائيوها إبداعا وتتويجا، إذ تم الوقوف في الحلقات السابقة على أزيد من أربعين نصا روائيا وعلى عدد الجوائز التي حصدها روائيو المدينة وطنيا جهويا وعربيا وعالميا… فإن الروائية النسائية بالمدينة لا زال حضورها دون المستوى المأمول؛ إذ تأخر ظهورها حتى منتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة مع إصدار ربيعة ريحان لروايتها الأولى “طريق الغرام” عن دار توبقال سنة 2013 ليبقى الإنتاج الروائي النسائي بالمدينة ضئيلا بالمقارنة مع ما كتبه الرجال، وانتظر القارئ وباء كورونا، وظروف الحجر الصحي التي فرضت على بعض الكتاب الكتابات التفرغ للكتابة ليتدفق الإبداع الروائي بالمدينة، فصدر في السنوات الأخيرة من المؤلفات الروائية أكثر من نصف ما أنتجه المدينة في تاريخها الطويل، إذ أصدر الكتاب ما بين 2019 و2023 أزيد من 20 رواية منها سبع روايات نسائية هي:
- .
- السيدة كركم” 2019، رواية “أنا النقطة” 2020 ورواية “وريثة السر” 2022
- منى الهردي “بحيرة البجع أو رواية الموت جوعا ” سنة 2022.
لا بد في البداية من الإشارة إلى رواية “ما تبقى من ذاكرة الرماد” هي باكورة فاطمة المعيزي روائيا، بعد سلسلة من الدواوين الشعرية و ودواوين أخرى في الزجل منها “ظفاير لالة” و”عيوطي على خربوشة” و”طويت لما”…
و”ما تبقى في ذاكرة الرماد” مثل أي رواية أولى تنطلق من الذات عبر سارد يتقاطع مع الكاتب في سرد أحداث روائية تركز على المحلي في محاولة قول كل شي ومقاربة مواضيع متعددة عبر المزج بين التاريخي السِّيَري والروائي المتخيل، إضافة إلى اختيار عنوان مفتوح على دلالات متعددة… مما يجعلها رواية مشرعة الأبواب تقدم للدارس منافذ متعددة لولوجها عكس بعض الروايات التجريبية أو الرمزية التي يجد الدارس صعوبة في مقاربتها.
عتبات الرواية مغرية؛ ومن تلك العتبات العنوان “ما تبقى في ذاكرة الرماد” الذي تتناسل منه دلالات كثيرة، فقبل التساؤل عن معاني هذا التركيب الإضافي والانزياح البلاغي (ذاكرة الرماد) تحضر أمام الدارس نصوصا غائبة كثيرة تتناص مع هذا العنوان، فتتراءى أمامه مؤلفات سردية كثيرة تحمل نفس التركيب، منها رواية “ذاكرة الرماد” للسورية ابتسام التريسي التي – وإن خالفتها في المضمون، فإن بناءهما يكاد يكون متشابها من حيث اعتماد أسلوب المتكلم مع تناوب شخصيتين رئيسيتين على سرد الأحداث. إضافة إلى نهج خط زمني متتابع، والانتقال بالزمان والمكان حيث بوح الأبطال… والمجموعة القصصية “ذاكرة الرماد” للقاص المغربي إدريس حيدر. كما أسند بعض الروائيين كلمات أخرى للرماد غير الذاكرة فعنون نواف العامر روايته بــ “أيام الرماد” واختارت المغربية خديجة مزراوي “سيرة الرماد” عنوانا لروايتها، وعنون أحمد إبراهيم الفقيه من ليبيا إحدى رواياته ب “حقول الرماد” وجعل أحمد صلاح سابق “وادي الرماد” عنوانا لروايته، وترجمتْ بدرية العبد الرحمان رواية “مدائن الرمان” من الأدب الإفريقي ومثل هذه العناوين كثيرة في الثقافة العربية والإنسانية، وهذه الكثرة تحتم طرح أسئلة عن ماهية الرماد؟ وعن السر في اختياره عنوانا لأعمال سردية منها رواية “ما تبقى في ذاكرة الرماد”
وبالإضافة إلى ما يحيل عليه مفهوم الذاكرة، واستحالة الاتفاق حول دلالة موحدة له، وصعوبة التمييز فيه بين الذاكرة الفردية والذاكرة الجماعية مع تعدد الجماعات (أسرة ، حزب، وطن، دولة ، أمة…) وكيفية تمييز ذاكرة كل جماعة… فإن الصعوبة تزداد تعقيدا عند إضافة الرماد إلى الذاكرة، وتتعقد المأمورية أكثر عند البحث عما تبقى من ذاكرة ذلك الرماد… خاصة إذا علمنا أن الرماد نهاية ومصير كل محترق، وأنه سالب خصوصيات العناصر المميزة لكل عضو أو عنصر، فيوحدها في نتيجة واحدة لاغية للتنوع، ورافضة للاختلاف، لإن الرماد وحده يختزل العوالم والأشياء المحترقة، وبتذويب الفوارق في مادة غير قابل للاحتراق، عصية على اللمس والذوق تدرها الرياح، تتناثر في الهواء فتغدو مرادفة للعدم… والرماد غير الدخان وإن كان أصلهما واحد، ومبعثهما النار والاحتراق، إذ الدخان في الثقافة الكونية خانق مذموم يتعالى في طبقات الجو وهو وضيع، والرماد على الرغم من استعمالاته الإيجابية قد يستغل سمادا ومنظفا ومزيلا للروائح الكريهة ومبيدا… فإن تلك الاستعمالات لا تشفع له، ولا تنفي السلبية عن المنطقة والمواقف الرمادية…
وإذا كانت علاقة البشر بالرماد تعود إلى عهود اكتشاف النار، فإن الباحث في الإبداع وفي الأدب يكتشف أن للرماد أبعاد ودلالات تفوح منها روائح الحنين والفواجع: حنين السهر والطبخ والدفء… وفواجع الحرائق والاحتراق وفقد المحروق…
لكن مع “رماد الذاكرة” و”ذاكرة الرماد” في السرد تستسلم الأمكنة، ويتبخر الزمان وتتحلل الذات والجماعة أحداثا مروية وذكريات مسجونة في خيط حكاية مركونة بالمنطقة الرمادية: الليل والنهار فيها سيان. فتصير الرواية منطقة نثر الرماد فيهما غباره شاهدا على احتراق ذات رمادها عصي على التبديد، لا نعرف فيها من الحارق ومن المحروق/ المحترَق؟
أنعتبر السرد حرقا لكلمات دائمة الاشتعال، والعبارات رمادا وعلامات على حضور غير قابلة للاحتراق، كل يوم تزهر من جديد؟ أتكون الرواية برمتها احتراقا نسمع من خلالها أصوات من مروا ونشم رائحة عطورهم وطبخهم عبر حكاية ستروى على مدار الزمن؟ أم نعتبر الرواية رمادا، وما تبقى من ذاكرة رماد أبدي ازلي لأن من يكتب لا يموت؟ ومنه تظل الكتابة دليلا على ذات احترقت وعانت من أجل الكتابة، ولا رماد دون نار، حتى ولو كانت النار رمزية تعطي رمادا رمزيا ودليلا على أثر كاتبة مرت من هنا… والكتابة رماد ودليل باق بعد رحيلنا واحتراقنا النهائي…
إن الحديث عن “ما تبقى في ذاكرة الرماد” تعبير جمالي عن شيء قبيح… فهل تكون الكاتبة في الرواية كمن يرسم لوحة جميلة رائعة بتقنيات عالية وتناسق في الألوان والظلال لكن لموضوع قبيح مثل جثة تنخرها الديدان، فلا نملك إلا الإشادة ببراعة الرسام رغم الاشمئزاز من المحتوى.
إن الرواية فن يحاول محاكاة الواقع، وبما أنه فن فإن كل شيء فيه جميلا كان أو قبيحا يبقى رمزيا، ومنه فالقبح في الطبيعة وفي الواقع غير القبح في الفن، لأنه لا يكون مقصودا لذاته، ولم يكن القبح يوما موضوعا للفن، ولا موضوعا فلسفيا مثل الجمال، لذلك فإنه لا يوظف إلا من أجل إبراز الجمال، كما أن قبح التيمة أو الموضوع قد يزيد العمل جمالا، ذلك (أن العمل الفني يتمتع بقيمة جمالية منفصلة عن جمال الشيء أو قبحه)[1] على حد تعبير عز الدين إسماعيل، بل قد يرفع القبح في اللوحة أو الكتاب من جمالية العمل، وقد تكون صورة امرأة قبيحة جدا تحفة فنية رائعة، وتكون صورة امرأة جميلة لوحة قبيحة رذيئة لا تعجب أحدا…
إن الاهتمام بالموضوعات القبيحة والمنفّرة في الفنون الأدبية، قد يكون له دور في خلق ردّة فعل عكسيّة، قوامها الرفض والبحث عن واقع بديل، على هذا النهج سارت رواية “ما تبقى في ذاكرة الرماد” الصادرة عن مؤسسة بيبلومانيا للنشر والتوزيع القاهرة 2022، وهي رواية أولى تحاول فيها كاتبتها أن تقول كل شيء لذلك تنوعت موضوعاتها وتعددت تيماتها، فلامست السياسة والانتخابات، وقاربت الهجرة والتهجير ، وتناولت قضايا اجتماعية كثيرة محلية وكونية، كما تغلغلت في العلاقات الإنسانية، وتوغلت في النفس البشرية وما تعرفه من حب وخيانة ووفاء وصدق وأمانة… ورجعت للماضي وقاربت الحاضر واستشرفت المستقبل…
والرواية في كل ذلك تستنجد بالقبح كعنصر جمالي استيطيقي يخلق شعورا بالاستياء من خلال إمتاع القارئ بمشاهد قبيحة منذ أول سطر في الرواية: هكذا جات أول جملة ( حارتنا ثقب أسود، يغريك باختراقه في عزّ الهلوسة التكنلوجية) (ص 8)، فكان الفضاء قبيحا مشحونا بدلالات سالبة تتوالد من وتركيب (ثقب أسود) لتبدا الرواية في تقديم الشخصيات التي تتحرك في الحي في صورة أكثر قبحا سواء في مظاهرها أو في أفعالها ومهنها وعلاقاتها (شباب فيه [ الحي] يمررون أفكارهم في فقاعات هوائية، ويستعرضون قواهم عبر تمارين رياضية… ونساء ينقلن المواعدة من وجه الوتساب البريء للوجهة المحاذية لحديقة… وفئة لا تغادر قنينة الكحول أو ماء الحياة ستراتهم الوسخة، ولا لفافات الحشيش التي تزكم جيوبهم البائسة من دراهم معدودة). (ص.8)
وتكون أول شخصية يصادفها القارئ تذكرها الرواية بالاسم والصفة من قاع المجتمع اختارت لها اسما ومهنة تعكس ذلك القبح ( خلفي كانت تقف “أمي عْبُوشْ ” بائعة االديطاي ) (ص. 9) … وكذلك كان الشأن بالنسبة لثاني شخصية تظهر في سرد الأحداث شخصية البتول التي ( لا تعرف شيئا عن أصلها، متخلى عنها وجت أمام الملجأ مع وثيقة (البتول بنت ربيعة ولدت بالمستشفى المركزي بالدار البيضاء 1990 (ص. 33) لتقدم هذه الشخصية أحسن صورة لتجليات القبح : اسمها البتول يدل على الطاهرة، مظهرها فاتن لكن واقع حالها بخلاف كل ذلك: ( “البتول ” من أصول هي نفسها تجهلها، نشأتْ في ملجأ لتخرج لمعترك الحياة بجنين يسكن أحشاءها، والجارات َيتغامزن حین يروْنها قادمة بقدّها الفتّان، تفوقهن بهاءً وجمالا، والرجالُ يسيلُ لعابهم فيتلذذون بما لم تطله أيديهم ). (ص10)
ولم تقتصر الرواية على ذلك بل وجدنا السارد يتعمد تضييق الخناق على هذه الشخصيات فيرمي بها في القبح والدناءة، وما أن يفتح لها باب أمل حتى يغرقها في قبح جديد. فتكابد البتول في تربية طفل لقيط لا أحد يعرف والده ( وهي القادمة من مجهول يقض بريق أملها ومضجع أحلامها، وطفل صغير يشد أطراف عمرها بكل قواه ليثقل كاهلها بمسؤوليات لا تعلم إلى متى قد تمتد؟) (ص.11) وما أن اشتغلت في التدليك حتى اكتشفت كيف ( يمكن أن يتحول التدليك لشيء آخر، يكفي أن يلمّح الزبون.) الكل يطمع في جسدها وفي استغلالها في مجتمع تحكمه علاقات غريبة، تحتم على الشخص ترك محبوبته ليتزوج غريبة لا يربطه بها رابط. مثلما تجسد في تجربة الشاب شعيب الذي أحب البتول وأحبته، لكنه تزوج امرأة إسبانية في سن والدته اضطر للإنجاب منها صناعيا… ولما هربت البتول من أزمتها مع شعيب إلى صديقتها فاطمة أخذتها إلى السيدة نور لتغرقها في ظلامها ويتم استغلالها في سهرات مع الخليجيين (بمعية عشر فتيات في ملابس تكاد لا تستر شيئا من أجسادهن…) (ص.58) لتعيش تجربة فرضت عليها (الرقص والتدخین وتناول كاسات النبيذ التي اصطفَت على مائدة رخامية كبیرة، مع علب السجائر وكل أنواع المكسرات والفواكه) (ص.59)
جماليات القبح لم تقتصر على الشخصيات بل امتدت إلى الفضاء الروائي فغيرت قوانين المدينة، وخلقت علاقات اجتماعية مزيفة ، المظاهر فيها خادعة والشخصيات تظهر عكس ما تبطن؛ فها هو الحاج رمز الورع والتقوى يأكل مال زوجته الصيدلية ويرميها مع ابنتيهما ليتزوج من مساعدتها وعينه على البتول، تخونه زوجته الثانية مع مشعوذ يتظاهر بمسوح الأتقياء (الشيطان أكثر نظافة من ثوب الورع الذي يسدله على نجاسة تصرفاته) (ص163) و تنجب منه بنتا عجزت في الحصول عليها من زوجها… لتقدم الرواية مجتمعا يتظاهر بالمحافظة والتديُّن، لكن تسوده الخيانة والمخدرات والمثلية حتى بين صفوف المربيات وكبيرات السن كما في تجربة لالة الطام ومديرة الملجأ التي أوكل إليها رعاية اليتامى (ص.29) مدينة الرجال فيها يعنفون النساء فاخت شعيب متزوجة برجل يعذبها ومتزوج عليها قسرا ويرغمها على عدم البوح بما تعانيه…
رواية “ما تبقى في ذاكرة الرماد” مثلها مثل معظم الروايات التي اتخذت من اسفي فضاء روائيا لأحداثها، تقدم المدينة مدينة معطوبة مدينة المخدرات بكل أنواعها يقول النادل لشعيب (- إلى خاصَّكْ ش حَاجَة عَيَّط لي ، راه كلشي موجود ) (ص.140)… مدينة دعارة حيث (كثرة الشقق المفروشة والرياضات والفيلات المخصصة للدعارة) (ص.91)… مما رفع الكثيرات ممن يمتهن الدعارة من قاع المجتمع ليصبحن من عليّة القوم ووجهاء المجتمع… ومدينة يسودها الفساد الانتخابي والإداري يفرض فيها على الموظف المصادقة على رخص رفضتها لجنة مختصة، وإن تلكأ أو رفض يتم عزله وتجرديه من مهامه ( وعندما رفض ما يطلب منه بحجة أنَّه ينافي القانون، عُزل من منصبه وجُرّدَ من امتيازاته التي يستفيد منها كافة باقي رؤساء المصالح الأخرى،) (ص.160)… مدينة يسود فيها الدجل والشعوذة… المشعوذون فيها (يمارسون قذارتهم دون قيد أو شرط أو ضمير) (ص163) والكل مقتنع (انه صعب جدا أن تغير فئة من البشر يخلطون الحق بالباطل ويعتقدون اعتقادا راسخا أن ما يقومون به هو عين الصواب) (ص164)
إن الرواية وهي تقدم هذه الصورة السوداوية عن المدينة تتحكم فيها جماليات القبح، ويصبح القبح دليلا روائيا غير مقصود لذاته، وعلى القارئ البحث عن إحالاته وبدائله، مادام (التعبير الفني عن القبح يستدعي إدانته، وينبه ضمنيا إلى ما ينبغي أن يكون عليه الحال، فكأن عرض القبح تأكيد مباشر للجميل، واحتجاج على ما في العالم من قبح) على حد تعبير فيساريون جيرجوريفتش بلنسكي. لذلك كان سارد أحداث الرواية يعلن عن امتعاضه من بعض السلوكات، ويتيح لشخصيات الرواية التعبير عن مواقفها؛ فنجد مريم وقد عرفت أنها ابنة الخطيئة (خطيئة أمها مع مشعوذ) تقر بأن المسؤولية مشتركة (تقول في نفسها إن مسؤولية ما قام به الوالد، نتيجة مشتركة مع من يلجؤون لمثله نتيجة التهور وعدم الوعي، والإيمان بالشعوذة والدجل والخرافات،) ص163
رواية “ما تبقى في ذاكرة الرماد” رواية حبلى بالقضايا فهي تلامس قضايا قضايا سياسية، ثقافية، اجتماعية، فلسفية، معرفية تقارب المقدس والمدنس ، الحياة والموت وقضايا محلية وطنية وإنسانية، وما فرضه وباء كورونا على العالم وكيف غير العلاقات والقيم والرؤية للعالم… لكن بطريقة فنية تبرز الجوانب القبيحة فينا عسى أن تولد للقارئ ردة فعل على ما يشهده الواقع، يقول وولتر ستيتش ( عندما يدخل القبيح كعنصر استيطيقي في الفن، فمن المؤكد أنه يخلق شعورا بالاستياء لكن بمقدار ما يؤدي إلى شعور استيطيقي من حيث إنه عمل فني أصيل فإنه يؤدي إلى المتعة) وهذا ما نجحت فيه الرواية لأن تأثير القبيح والمؤلم أكثر من تأثير الجميل، فلا شيء يسمو بنا إلى العظمة -كما قال الرومانسي الفرنسي دي موسيه- مثل الألم، ولخير أن يضع الكاتب الملح على الجرح، ويكشف عورات المدينة واهلها، ويبين اختلالات الواقع في لوحة ماتعة، من أن تكون الرواية كارت بوستال فلوكلورية وبهرجة ممسوخة تطبل لكل شيء… لأن (مهمة القبيح حين يقبل في الفن، هي أن يساعد على تقوية أثر الجميل بإنتاج سلسلة من المتضادات التي تجعل الملائم أقوى أثرا) كما يقول بيندتو كروتشي . لكن هذا لا يعني ان الروية لم تقدم إلا القبح، فكثيرا ما عرضت مشاهد جميلة مشحونة بالنوستالجيا، والحنين إلى ما ميز المدينة عبر تاريخها من علاقات اجتماعية، وتقاليد في الباس والطبخ… لكننا آثرنا النبش في جماليات القبح، لأن (الشيء الجميل يمكن أن يتغير تأثيره في العمل الفني، والشيء القبيح من الممكن أن تتغير درجة تأثيره من القبح إلى جمال فني عن طريق الوصف والتعبير الناجح عن ذلك القبح) كما قال غوتهولد إفرايم ليسينغ وهذا ما نجحت فيه رواية “ما تبقى في ذاكرة الرماد” أكثر من نجاحها في إبراز الجمال والوجه المشرقة لمدينة اسفي
[1] – د. عز الدين إسماعيل: الأسس الجمالية في النقد العربي، ص50
عن موقع: فاس نيوز