كتاب و آراء – يعتبر إقليم تاونات من الأقاليم التي تحتل أهمية تاريخية و جغرافية، إذ يتميز بموقعه و بتنوع تضاريسه ومناظره الطبيعة الآخاذة، إضافة إلى بعض مآثره التي اندثرت بفعل العامل البشري ومنها ما هو سائر في طريقه للاندثار بسبب الإهمال، وبالرغم من ذلك يبقى هذا الإقليم بعيدا كل البعد عن أدنى شروط التنمية.
تاونات لسان حاله يقول إنه ليس على ما يرام، ووضعه في شتى المجالات لا يبشر بالخير، ويتحول من سيء إلى أسوأ، بل أن بصيص الأمل المنتظر من عدد من المشاريع تبخر وتحول إلى سراب محطما آمال السكان وتوقعاتهم على صخرة الواقع، لا تنمية حقيقية بعد مرور 45 سنة من إحداث العمالة، في ظل غياب عدد من المشاريع الأساسية والبنيوية، وانعدام رؤية إستراتيجية واضحة المعالم للتنمية على كافة الأصعدة، كما أن الإقليم لا يستفيد من مؤهلاته الطبيعية في ظل استمرار معاناة سكان جل الجماعات من قلة المياه الصالحة للشرب، رغم توفر الإقليم على مورد مائي مهم، وتواجد خمسة سدود كبرى ناهيك عن السدود التلية داخل نفوذه الترابي مما يبوؤه كأكبر خزان للمياه الجوفية على الصعيد الوطني.
مؤلم جدا أن لا يتوفر الإقليم، في صيغته القديمة أو الحديثة، سوى على مستشفى إقليمي واحد، سارت بذكره الركبان من حيث تسييره أو قدراته، و قواعد التعامل مع مرضاه و أسرهم كل ساكنة الإقليم تقصد هذا المستشفى، و في حالات كثيرة يفرض على المرضى التنقل إلى فاس بسبب ضعف التجهيزات أو انعدام التخصصات.
الخريطة الصحية بالإقليم تكشف بالأرقام مدى الخصاص الذي يعاني منه القطاع، و يزداد مع مر السنين…إنه غيض من فيض من واقع صحي مأساوي، وقطاع مريض، نددت به احتجاجات مواطنين في عدة مناسبات لكن دون أن يتحرك أحد من أجل معالجته و تطويره.
مشاكل بالجملة و أهم برامج التنمية مؤجلة، لا أحد ينفي أن شبكة مؤسسات التعليم الثانوي والتأهيلي غير قادرة على استيعاب أبناء العالم القروي، الكثير من التلاميذ ينقطعون عن الدراسة بسبب الفقروالهشاشة، و القليل منهم يتحملون عبئ قطع الكيلومترات يوميا لاستكمال تعليمهم الإعدادي أو الثانوي.
إن قلة المؤسسات التعليمية،وضعف تجهيزها، و غياب داخليات تستوعب المحتاجين و تضمن التغذية وشروط الإقامة المريحة بها، كل هذا يدفع العديد من التلاميذ إلى الانقطاع عن الدراسة و التيه في المدن المجاورة و القريبة وراء كسب قوتهم و مساعدة أسرهم التي سحقها الزمن.
الطرق الرئيسية مهترئة بالإقليم عليها انتظار زيارة ملكية لإدخال إصلاحات على بعضها، وغالبا ما تكون هذه الإصلاحات مغشوشة لا تصمد سوى لشهور معدودة، أما المسالك التي تربط الدواوير بالطرق الرئيسية و الثانوية فحدث و لا حرج، و عدم تعبيدها و جعلها صالحة للاستعمال يعكس مستوى أداء الجماعات المنتخبة منذ عقود، و يطرح سؤالا حول مدى استفادة ساكنة الإقليم من المداخيل المتعددة المصادر، ومن برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، و من هي الجهات التي استفادت جيوبها منها.
إن الإصغاء لما يتناقله المواطنون في أحاديثهم، سيقرب من يعنيه الأمر من الجواب و فهم بعض أسباب هذا التهميش، و معرفة مصير جزء مهم مما يخصص لتمويل” البرامج التنموية”.
يتوفر الإقليم على أسواق مهمة، و بعضها يضاهي أكبر الأسواق على الصعيد الوطني، أسواق من المفروض أن تكون مصدرا من المصادر التي تساهم في التنمية بحكم مداخليها، لكن مع الأسف هذا لم يحصل بسبب عقلية التسيير المهيمنة منذ عقود، لقد فوتت جل هذه الأسواق لذوي القربى و النفوذ، و تحولت لتنمية بطون و جيوب شرذمة معلومة لدى الجميع، في غياب المراقبة و المحاسبة.
لقد نجحت الدولة في تعميم الكهرباء على جل مناطق المملكة، بفضل البرنامج الوطني للكهربة القروية، فإقليم تاونات من الأقاليم المغربية التي استفادت ساكنتها من هذا المشروع، أما مشروع تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب فما زال متعثرا بالإقليم مثله مثل مشاريع استراتيجية أقبرت هي الأخرى و طالها النسيان أو يكاد،
في هذا المضمار يحضرني مشروع تزويد ساكنة دائرة غفساي بالماء الصالح للشرب الذي دشنه جلالة الملك في سنة 2010، والذي تعثر تنفيذه لأسباب تبقى غير مفهومة و غير منطقية بالنظر لما صرف من أجله على مستوى الدراسات و التجهيز و أشياء أخرى،و تأجيل أو إقبار هذا المشروع يعكس مدى روح الاستهتار و الارتجال لدى المسؤولين بالإقليم. نفس الأمر بالنسبة لمشاريع مهددة هي الأخرى بمزيد من التأجيل منها مشروع النواة الجامعية،
بالأمس القريب كان إقليم تاونات يشتهر بكونه إقليم فلاحي بامتياز، حيث ظلت الفلاحة تشكل أهم القطاعات الإستراتيجية ولها دور وازن في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالإقليم خصوصا التين والزيتون، لكن هذا الواقع تغير اليوم.
أمام هذه الوضعية الدقيقة للإقليم ليس من بديل لدى النزهاء من المسؤولين و النواب، و المخلصين من نشطاء أبناء تاونات ،في وسطه القروي و الحضري، سوى التعاون و التعبئة من أجل إنقاذ الإقليم من السكتة القلبية.
بقلم : عادل عزيزي لفاس نيوز ميديا