مقال رأي : المقاربة الحقوقية وسؤال المعضلة المائية ؟

كثيرا ما يربط البعض إشكالات الماء بالتغيرات المناخية المفاجئة والسيئة، ويضع عليها كل المسؤولية ليريح نفسه أمام المواطن ومحاسبته الشديدة، ويكتفي بقول إنه القدر لا ينفع معه التدبير ولا الحذر، ونظرا لجلاء هذه الظواهر وخطورتها وعامل الطبيعة فيها، فإن الأمر يبدوعاديا ومستساغا بل مقنعا وإن حمل ما يحتمل سياسيا وتدبيريا، فتأثير الاحتباس الحراري وتلوث الماء والهواء وقلة التساقطات واستنزاف الطاقات الأحفورية والفرشات المائية، أمر واضح على مستوى البلاد ومصالح العباد. ولكن هناك من يرى أن الأمر مسألة حقوقية قبل كل شيء، والمعضلة البيئية عموما والمائية منها خصوصا ترتبط بالمسؤولية والحكامة قبل غيرها وأكثر من غيرها في نفس الوقت؟.

هل نعلم أن عجز الماء في معظم الدول العربية قد بلغ إلى (30%)، وأن معدل استهلاك مواطنيها من الماء يقل عن المعدل العالمي ب (10 مرات)، وأن هذه الدول التي طالما نشدت وتنشد التنمية لا تنفق على الماء ما يلزم رغم أن الدراسات تؤكد أن صرف دولار واحد في الماء يعود على صاحبه ب (34 دولار) في التنمية المستدامة. إنها مسألة الحق في التنمية، في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، في الأمن والاستقرار والرفاه الاجتماعي؟، هل تعلمون أن النساء في بعض المناطق الريفية يقضين حوالي (4 ساعات) في اليوم لجلب الماء؟، وأن كثيرا من فتياتهن جراء ذلك لا يلجن المدرسة إطلاقا، أو حتى إن ولجنها فسرعان ما يقعن من ضحايا هدرها المدرسي للبحث اليومي عن قطرة الماء؟.

إن توفير الماء لكل مواطن من الحقوق الأساسية التي أقرتها المواثيق الدولية، والدساتير الوطنية، ولكن، هل يمكن ذلك في غياب أو ضعف الانفاق المائي التنموي المناسب أو في غياب عدالة وأمن مائي الذي هو روح الأمن الروحي والاستقرار الاجتماعي؟، آن الأوان لإبداع سياسة مائية وطنية تعتمد البحث العلمي الرصين والمثمر للحفاظ على المخزون من ثروتنا المائية وتعبئة مواردها.. لحسن تدبير التساقطات وتخزينها.. لدعم السدود الكبرى بما يلزم من السدود الصغرى.. لتبني تقنيات جديدة ومثمرة في التعبئة المائية كالتحلية.. والمعالجة.. وصيد السحب.. لتغيير أساليب الري من العشوائي إلى الاقتصادي.. لتجريم التلوث والتبذير المجاني خاصة في المجال الفلاحي وبعض مزروعاته المستوردة (85%) وفي المجال التجاري (10%) الذي قد يكون على حساب المواطن الذي يمثل الحلقة الأضعف في كل هذا، إذ لا يتعدى استهلاكه من الماء حوالي(3%)، ورغم ذلك قد يرخص سوء حكامة السلطات ورشاوي الوساطات بسم الاستثمارات، قد يرخص لمعمل ماء معدني يستأثر بعيون ساكنة في منطقة أطلسية لتموت نزوحا وعطشا هي وحقولها وبهائمها ومشاريعها السياحية والترفيهية؟. فمتى سنمنع مثل هذا الجرم المائي والاستثماري؟، بل وكيف سنمنعه دون مقاربة حقوقية ونحن نحتل الرتبة (114/170) في الأمن المائي العالمي، و(160/180) في مؤشر الأداء البيئي العالمي؟.

بقلم : الحبيب عكي لفاس نيوز ميديا

عن موقع: فاس نيوز ميديا

About أحمد النميطة