دينامية التعرية وتناميها بفعل الظواهر المناخية القاسية والتدخل البشري المفرط والعشوائي بحوض سبو الأعلى (الأطلس المتوسط)

د: الحسين مزوز
إن التعرية الترابية بحوض سبو الأعلى بالأطلس المتوسط هي مشكلة قديمة وطبيعية، ولكن أهميتها اليوم تتزايد وتتسارع مع الضغط الديموغرافي والاجتماعي والاقتصادي، ونظرا للخصوصية الجغرافية التي يتميز بها حوض سبو الأعلى (سهول، هضاب وجبال ملتوية) والمرفوتشكالي الذي يتميز به، وأهمية الموارد المائية التي يتوفر عليها (تساقطات مطرية وثلجية) والبنية الجيولوجية ذات الخصوصية الكارستية تحتوي على فرشة مائية غنية، بالإضافة إلى الاستقرار البشري وتطور استغلال مكونات المجال منذ الثمانينات (الفلاحة والرعي). فإن هاته التحولات المجالية المهمة وتغير أنماط استغلال المجال (السكن والأنشطة الفلاحية) التي عرفها الأطلس المتوسط بصفة عامة وحوض سبو الأعلى بصفة خاصة ساهمت في تنامي ظاهرة التعرية.

إن المجال موضوع الدراسة من بين المناطق التي تعاني من التعرية المائية بالأساس نظرا للخصوصية الجغرافية التي تميزه، حيث نجد مجالات هشة الأكثر تضررا من حدة التعرية، وترجع تأثيراتها إلى عاملين أساسيين: العامل الطبيعي والتدخل البشري، وتفاعل هذان العاملين له انعكاس سلبي على المجال يؤدي لا محالة إلى فقدان المجال رونقه الأصلي والطبيعي. واستنادا إلى معطيات ميدانية، فإن هشاشة التكوينات الصخرية، مقابل قوة السيلان المائي وشدة الانحدارات يجعل التربة بالمجال المتوسطي ذات قابلية كبيرة للتعرية، وتشكل التساقطات المطرية أحد العناصر الأساسية المسببة في انجراف التربة، وعامل محرك للتعرية المائية التي تزداد حدتها مع تركز التساقطات في فترة زمنية محددة في بعض الأيام وهي ما يعرف بالتساقطات الوابلية (انجراف المواد المفتتة بشكل كبير) والتي تتسبب في تشبع سريع للمجالات السطحية فيظهر الجريان السطحي الذي يتزايد مع قوة الانحدار.
إن الظواهر المناخية والهيدرولوجية هي من بين الدراسات الجغرافية الأكثر تعقيدا. دراستهم في حوض ما يتطلب جرد مميزات مناخية وجغرافية لمعرفة في الأخير كيف للعوامل أن تتنافس وتتوحد لتناول المناخ الأصلي وإعطاء للنظام الجرياني مظهرا يميزه. نتكلم إذن في محاولة لتعريف خصائص مناخ حوض سبو الأعلى وسلوكه الهيدرولوجي أمام تفاعل عناصر الوسط الطبيعي: المناخ، مرفلوجية الوسط، الغطاء النباتي …، كذلك معرفة إن كان هذا الحوض قادر على الحد من تأثير التقلبات المناخية الاستثنائية أو مساهمته في ازدياد الخطر. أيضا تحليلنا يتجلى أساسا في معرفة حصيلة الموارد المائية للحوض، شرح وتأويل أصل هذه التغيرات الهيدرومطرية، وأيضا استنباط أنواع الأخطار المناخية وتحليلها.
المناخ السائد عموما، مناخ متوسطي شبه قاحل، حيث التساقطات والثلوج متوفرة خاصة في المرتفعات، وتتناقص في اتجاه المنخفضات إذ تشكل المرتفعات حاجزا أمام الكتل الهوائية الرطبة القادمة من المحيط الأطلسي، حيث تتراوح معدلات سقوط الأمطار بين 1600 و2000 م: 1100 ملم في إفران 650 ملم في الحاجب و450 ملم بأكلمام سيدي علي، وتضعف الكميات نحو الشرق والجنوب الشرقي 500 ملم في ايموزار مرموشة ومحطة عزابة بسكورة 322 ملم وايت خباش بكيكو 358 ملم، 347 ملم بعين تمدرين، معطيات احصائية مبنية على دراسة لهاته المحطات القياسية المطرية من سنة 1980 الى غاية 2009.
إن صبيب الجريان المائي بحوض سبو الأعلى واحد من أغنى المناطق في المياه وهو من أفضل المناطق من حيث الأراضي الزراعية والمجالات الرعوية. وتعد الشبكة المائية التي يزخر بها حوض سبو الأعلى من أهم الموارد الممولة للمناطق السفلى إذ من بين الاشكالات المطروحة في هذا المجال هو غزارة التساقطات المطرية والثلجية طيلة السنة، إلا أنه لا يستفيد منها نظرا لطبيعة المجال.

وبالتالي فالميزانية الهيدرولوجية غير منتظمة زمانيا ومجاليا حيث مصدر المياه الجارية بالأودية مرتبط أساسا بالعيون الباطنية (عين سبو، عين تمدرين، عبن تادوت…)، نظرا للخصوصية التي تميز المجال الكارستي وأهمية الصخور ذات نفاذية عالية.

الشبكة الهيدرولوجية بحوض سبو الأعلى
وفي دراستنا للطقوس الجوية ونسبة فعالية التيارات الهوائية المضطربة (Flux Perturbés) على المنطقة يظهر أن فترات الاستقرار الجوي تفوق بكثير فترات عدم الاستقرار هذه النتيجة أتت بناء على دراسة تحليلية للأوضاع الجوية التي تناولتها في أطروحتي (المحور الأول الفصل الثاني) تمكنت من خلالها معرفة الحالات الأكثر ترددا على الحوض كما للضغط المرتفع الآصوري دور مهم في الدورة الهوائية حسب موقعه وامتداده. والنتائج المحصل خلال الفترة المدروسة من سنة 1978 إلى سنة 2009 بالاعتماد على الويب (www.wettre3.de) حول التساقطات المطرية المسجلة أكثر من 10ملم في اليوم بالمحطات القياسية المطرية كانت كالتالي:
 التيار الهوائي غرب شمال غرب (ONO) نسبة التردد كانت 39.3%
 التيار الهوائي غرب جنوب غرب (OSO) نسبة التردد كانت 23.1%
 التيار الهوائي الشمالي (N) نسبة التردد كانت 7.2%
 التيار الهوائي شمال شرقي (NE) نسبة التردد كانت 2.5%
 التيار الهوائي جنوب جنوب شرقي (SSE) نسبة التردد كانت 1%
 الحالات المضطربة الناتجة عن نظام إعصاري نسبة التردد كانت 13.8%
 الحالات المضطربة المرتبطة بالدينامية الحرارية والارتفاع نسبة التردد كانت 13.1%
ما يستفاد من الدراسة أن المنطقة تعرف تساقطات مطرية مهمة وغير منتظمة مجاليا وزمانيا بفعل تأثير العامل الجغرافي الذي يتجلى في:
 عامل الارتفاع
 عامل الانحدار والتوجيه
 اتجاه الرياح
 البعد عن البحر
هذه التساقطات الغير المنتظمة حاولت في تحليلها بالاستناد على خريطة التساقطات بمساعدة التطبيق المعلوماتي ArcGis 10.2.2 (Méthode de Thiessen) مظهرا من خلالها دور العامل الجغرافي في توزيع التساقطات.

خريطة توزيع معدل التساقطات السنوية في الحوض
كما تعرف المنطقة فيضانات كثيرة وعنيفة والناتجة عن نظام إعصاري (Les orages violences) بفعل التقاء الكتل الهوائية المدارية الساخنة والكتل الهوائية القطبية الباردة محدثة امتطاحات عنيفة خصوصا في المرتفعات مما ينتج عنه خسائر طبيعية وبشرية. هذه الفيضانات تتقوى بفعل تدني الغطاء النباتي الذي يلعب دور مهم في تثبيت التربة في مكانها والحفاظ على تماسكها، والملاحظ أن آثار التعرية في المجال تظهر بدرجات متفاوتة حسب أهمية الضغط البشري على الغطاء النباتي ويتوقف هذا الضغط على نوع الطرق والأساليب المتبعة في استغلال المجال. فالوضع السوسيواقتصادي الصعب الذي تعيش فيه الساكنة بالأوساط الجبلية يدفعهم إلى الإفراط في ممارسة حقوق الانتفاع، إذ يعتبر أغلب الناس أن الغابة امتداد لحيازتهم الرعوية والفلاحية، كما أن الظروف المناخية القاسية تدفعهم إلى اجتثاث الأشجار الغابوية لتوفير الحطب من أجل التدفئة إلى جانب الحرائق التي تحدث بفعل عدم اللامبالاة السكان لخطورتها والتي تأتي ألسنتها على حصد هكتارات من الأشجار خصوصا في فصل الصيف حيث الحرارة تصل ذروتها. وتصل المساحة الغابوية بالحوض إلى 40% والمجالات الرعوية 36% والمساحات المزروعة 24. %
كما أن عدم استخدام تقنيات وأساليب الحفاظ على التربة في الأراضي المزروعة يجعل التربة أكثر عرضة للانجراف، إذ أن الحرث العصري في اتجاه انحدار السفوح يسهل في تركز الجريان في أخاديد الحرث الذي يؤدي إلى ضياع المجالات المحروثة وتبلغ المساحات المزروعة في الحوض 40 ألف هكتار منها 8758 مساحات مسقية و32416 مساحات بورية، مما سينتج عنه مستقبلا تراجع المساحات المسقية. ويبدو جليا أن تنامي ظاهرة التعرية في الحوض تعود أسبابها إلى عوامل طبيعية وأخرى بشرية، سيترتب عنها لا محالة توحل سد علال الفاسي في السافلة حيث سيكون له انعكاسات تقنية وسوسيواقتصادية.
إن المناخ المتوسطي بمظهره العام يطرح تهديدا حقيقيا للتكوينات الصخرية الهشة وينبأ باستفحال العمل المورفودينامي للسفوح وما ينتج عنه من انزلاقات ونقل للمواد المكونة للتربة بالشكل الذي يساهم في توحل السد بالسافلة، كما أن تدخل الانسان ساهم بدوره في الإخلال بالنظم الإيكولوجية داخل الحوض بسبب الاستغلال المفرط والعشوائي الذي يؤدي إلى تدني الغطاء النباتي ويساهم في التدهور البيئي.
وسعيا للحد من مخاطر تنامي هاته الظاهرة، والضرورة الملحة لمعالجة الأوساط البيئية الهشة، واستكمالا للمخططات الوطنية الموضوعة لتهيئة الاحواض الهشة، أصبح لزاما أن نعي كلنا بأهمية المحافظة على البيئة وذلك بالاعتماد على مقاربة تشاركية شمولية تجمع كل الأطراف المعنية بوضع إطار قانوني جديد للشراكة في المجال البيئي وادماجه في البعد التنموي لتحقيق حكامة جيدة، فالإطار التشريعي التنظيمي بواسطته يمكن أن نضمن توازن ايكولوجي للمجال.
دكتور باحث في علم المناخ والهيدرولوجية

About fnadmin