جواز الصحة النفسية .. ولمَ لا ؟!
ظاهرة منغصة :
يعج الشارع المغربي بظواهر مرضية مزمنة ؛ أحياناً كثيرة ؛ تجد لها المرافق العمومية ، من مقاهي وأسواق وطرقات .. مرتعا خصبا لها أو بالأحرى متنفسا لإفراغ شحناتها السلبية ، كيفما اتفق اتفق لها ، ولعل أبرزها على الإطلاق ظاهرة التشنجات النفسية عالية الحدة Psychological Spams ، تشنجات لا تستثني أحدا من الفئات العمرية ، تبدر من الشخص في شكل مواقف سلوكية هستيرية ومتغطرسة ؛ هي أقرب إلى العدوانية منها إلى المرضية ، وفي حالات عديدة تجدها مصحوبة بالأنانية والصلف والعجرفة ؛ لا يتوانى صاحبها عن “الانفجار والاشتعال” لأتفه الأسباب ، لكنه يجنح للاستكانة ويتلافى الاحتكاك بالآخر ، سيما إذا كان هذا الآخر يحمل ندوبا أو تشع عينه شررا وعدوانية ! فما هي هذه الظاهرة ؟ وهل تعكس خلفية اجتماعية مقهورة ، أم نتيجة حتمية لظروف الجائحة فيروس كوفيد 19 الذي قيد أنشطة السواد الأعظم من المغاربة لأزيد من سنتين ؟ أم هي نتاج طبيعي لانحسار وغياب الأدوار التربوية لكل من الأسرة والمدرسة والمجتمع ..؟
المرضية النفسانية :
نحن نعيش في بيئة ثقافية ؛ تتعايش داخلها ؛ العديد من الموروثات والعادات والطابوهات .. ولعل عادة الإحساس بالمرض والبوح به ، يمكن اعتبارها من الطابوهات التي تحدو بالكثيرين من “المرضى” إلى عدم الإفصاح والكشف عما يعانونه ويصدر عنهم من سلوكيات فجة، فاقدة لكل الضوابط وقواعد السلوك السوي ، كما يعادون كل من رماهم “بالمرض” ، حتى ولو كانوا من ذويه وأقربائه ، كما يلجأ بعضهم ؛ وفي محاولة التخفيف من الضغط النفسي ؛ إلى التعاطي لشرب الدخان أو معاقرة الخمرة ، بينما البعض الآخر يبحث عن”ضحية” ليفرغ فيها مخزونه من القلق والخوف والضغط والعدوان ، حتى ولو كانت هذه الضحية عبارة عن”بوق السيارة” Claxon فيسترسل في الضغط عليه وبشكل منفر لينبه الآخرين بإفساح الطريق، والحال أن علامة الوقوف ما زالت لم تبرح احمرارها ، أو يرفع عقيرته تجاه النادل الذي تأخر عن جلب فنجان القهوة.. أو يتخندق داخل غابة من أصوات المجون “والشطيح والرديح” بجوار هاتفه ، غير مكترث لعمومية المكان ولا آبه لمن حوله.. أما إذا أخذ في الحديث والضحك والقهقهة فتخاله ثورا هائجا فك عقاله أو بركانا يقذف بحممه !
هذه العينة السلوكية الخرقاء Clumsy Behaviour هي من التكاثر والاجتياح داخل مجتمع ؛ أبعد ما يكون عن المعرفة ، مما قد يفضي في النهاية إلى همجية ؛ يساهم المجتمع في توطينها من خلال ترويجه لأنماط معاملات احتيالية في أغلبيتها ، وهو ما يفسر إلى أي مدى تقهقرت أدوار كل من الأسرة والمجتمع في تربية النشء .
العيادات النفسية (Psychiatric Clinic) :
أوضحت الدراسات السوسيو اقتصادية Economic Sociology أنه كلما تعقدت وسائل العيش وارتفعت ضغوطات الحياة ، كلما زاد ذلك في وتيرة عناء الإنسان وهشاشة نفسانيته . واستيعابا لهذه الضرورة سعت العديد من الدول ، الصناعية منها خاصة إلى تمكين مواطنيها بوسائل للتخفيف من الضغوطات النفسية ، في شكل جمعيات ونوادي رياضية ومصحات نفسية ؛ منتشرة في كل الأنحاء وبأعداد وفيرة ؛ تكاد تنافس نظيرتها في الطب العام ، ومن المفارقات العجيبة في هذا المجال أن ألمانيا أنشأت لهذا الغرض أكشاك هواتف خاصة pr Phone Kiosks وجعلتها في متناول أي شخص يسعى إلى التخفيف من حدة الضغط النفسي وأعباء الحياة التي يكامدها ، لا تستدعي منه سوى وضع قطعة نقدية والإمساك بالسماعة .. فيأخذ صاحبنا في إصدار صراخ بأوداج منتفخة محمرة وأعين جاحظة .. بهدف وبدونه ، حتى إذا ما أدركه العياء أقفل السماعة وراح إلى حال سبيله ، وهذه التقنية في التخفيف من الضغط النفسي؛ مشهورة ويمكن معاينتها عن كثب وبالخصوص لدى لاعبي كرة القدم، فكلما أخطأ أحدهم المرمى أو ضاعت منه ركلة جزاء مثلا لجأ إلى الصراخ تلو الصراخ مصحوبا بعصبية حادة !
جواز الصحة النفسية.. ولمَ لا ؟!
في زمن يعج بالاضرابات النفسية وما لها من مضاعفات على الاندماج والتواصل الاجتماعيين ، أصبح من الضرورة بمكان قيام السلطات المغربية بتبسيط مساطر إنشاء العيادات الصحية النفسية ومنحها الأولوية جوار المرافق العمومية ، وفي آن تنبيه المواطن المغربي وحمله على ضرورة مراقبة صحته النفسية ما إذا كان يعاني اضطرابا ما ، فالأولى له أن يكون حاملا لجواز صحي نفسي من طبيب مختص .. قبل أي جواز آخر.
برأيي أن اتخاذ إجراء ؛ على هذه الشاكلة ؛ لمن شأنه أن يساهم في الرفع من منسوب الوعي الصحي لدى المغاربة والتخفيف من حدة التوتر والقلق ، ويرسخ ثقافة التعاطي للأندية الرياضية والرعاية الصحية.
بقلم : عبد اللطيف مجدوب فاس نيوز ميديا