لقد أصبحت تقنيات الاتصالات الرقمية، مثل الإنترنت والهواتف الذكية المحمولة والأجهزة التي تدعم تقنية الاتصال بسرعة الضوء وغيرها جزءًا من الحياة الإنسان اليومية، وبسبب التطور السريع في الوصول إلى المعلومات والاتصالات في الوقت الحقيقي والابتكارات الجديدة في مجال الاتصالات، عززت هذه التكنولوجيا حرية التعبير، وسهلت النقاش العالمي والمشاركة الديمقراطية، عبر تضخيم أصوات المدافعين عن حقوق الإنسان وتزويدهم بأدوات جديدة لتوثيق وكشف الانتهاكات، هذه التقنيات القوية تقدم وعودا رقمية حقيقية من شأنها تحسين و الارتقاء بحقوق الإنسان بالمجال الواقعي و الافتراضي.
و في غضون سنوات قليلة فقط ، سمحت التقنيات الرقمية بتعبئة أسرع و فعالة استجابة للأزمات الإنسانية ، وتوثيق أفضل لجرائم ضد الإنسانية ، ومنصات أكثر سهولة لتنظيم المظاهرات السلمية في جميع أنحاء العالم.
وفي هذا العصر الرقمي أيضا، و في مقابل ما سبق، عززت تقنيات الاتصالات أيضا من قدرة الحكومات والشركات والأفراد على تطوير إجراءات المراقبة واعتراض البيانات الرقمية واستغلالها في التوجيه والتحكم والسيطرة و قمع الحريات و الحقوق.
كما ساهم التقدم التكنولوجي في زيادة تتمتع الدول المتقدمة بقدرة أكبر على إجراء عمليات متزامنة، اجتياحية، هادفة ومراقبة واسعة النطاق من أي وقت مضى وبعبارة أخرى، فإن المنصات التكنولوجية التي تعتمد عليها الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العالمية، أصبحت بشكل متزايد عرضة للمراقبة الجماعية.
إنه و بالرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية والبيانات الضخمة لها يمكن أن تكون أدوات قوية لتوقع وتحليل والاستجابة لمخاوف حقوق الإنسان ، فإن هذه التقنيات تشكل أيضًا تحديات غير مسبوقة، كتسليح وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات المضللة والتدخل في الانتخابات والترويج للعنف والتحريض عليه، كما تعمل مواقع الويب والتطبيقات باستمرار على جمع كمية ضخمة من البيانات عن مستخدميها – غالبًا دون علمهم بها، أو كيف أو أين يتم استخدام أو تخزين معلوماتهم الشخصية.
إن لتقدم التكنولوجيا الرقمية بالفعل، العديد من الفوائد المتميزة بالنسبة لحقوق الإنسان و خصوصا للجيل الرابع من هذه الحقوق، فيمكننا الاتصال والتواصل حول العالم كما لم يحدث من قبل، و يمكننا استخدام الاتصالات المشفرة وصور الأقمار الصناعية وتدفق البيانات للدفاع المباشر عن حقوق الإنسان وتعزيزها، و أيضا يمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بانتهاكات حقوق الإنسان ودرءها.
و مع ذلك لا يمكننا تجاهل الجانب المظلم لهذا التطور المتسارع فالثورة الرقمية هي قضية حقوق إنسان عالمية كبرى، فوائدها التي لا جدال فيها لا تلغي مخاطرها التي لا لبس فيها.
أحمد النميطة البقالي
باحث و رئيس جمعية خبراء الحاسوب