حث خطيب الجمعة بمسجد “النور” بحي الأمل النرجس بفاس، المؤمنين على ضرورة التوكل على الله وحذرهم من التواكل.
واستهل الخطيب الجزء الأول من خطبته بحمد الله على نعمه الكثيرة والعظيمة وبالصلاة على خير الأنام سيد الأولين والأخرين وسيد المتوكلين وخير العاملين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، مضيفا أن شرعنا الحنيف يحثنا على العمل ويمتدح المؤمن العامل، وفي المقابل يدم المكاسل المتقاعس الذي يركن إلى الراحة ويعيش على جهد غيره، وهذا ليس من شيم المومن، وانما المؤمن الحق من يعمل بكل ما أوتي من أسباب ويتوكل على الله سبحانه وتعالى ويسلم له في انتظار النتائج.
وهذه هي صفات المؤمن الحق –يقول الخطيب- وليس التوكل أن يسقط العبد الأسباب التي جعلتها الله لكل عمل ويعتقد أن الاتكال على الله هو أن يخرق له سنن الكون، بل لابد من العمل واتخاذ الأسباب، فقد جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك ناقته بباب المسجد بلا عقال وزعم بذلك أنه متوكل على الله، أي متوكل على الله في حراستها وحفظها، فقال له النبي عليه الله والسلام كلمته التي أصبحت مثلا عند المسلمين : “اعقلها وتوكل”.
فهذا الأعرابي جاء إلى المسجد وترك ناقته بباب المسجد بلا عقال، فدخل المسجد وعند خروجه منه لم يجد الناقة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بالقصة، فقال له أنا توكلت على الله في حراستها وحفظها، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام “اعقلها وتوكل قم بالسبب اعقلها عنذئد توكل على الله في حفظها وحراستها، رواه الترميذي وغيره.
وشاهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، جماعة في المسجد قد اتخذوا مكانا في المسجد بعد صلاة الجمعة، فقال من هؤلاء، قيل له هؤلاء هم المتوكلون، فقال رضي الله عنه بل هؤلاء المتواكلون، ألم يقرؤوا قول الله سبحانه : :فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”، تم قال “إن السماء لا تمطر لا ذهبا وفضة”.
ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا جالسا في المسجد، فقال له “من يعولك، فقال أخي، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام أخوك أعبد منك”، الرسول صلى الله عليه وسلم بين هنا أن الأفضلية للذي قضى فرضه ثم دهب ليسعى في الأرض من أجل قوته، فهو أفضل من الذي بقي جالسا في المسجد.
وشدد المتحدث على أن المؤمن يجب أن يعمل ويكد ويجد ويجتهد ويفوض أمره لله ويعتمد عليه في السعي ويستمد منه العون في الشدة والرخاء وأن يعتقد بأنه سبحانه وتعالى المدبر للكون والفعال لما يريد العالم بما يصلح لعباده فهو المعطي والمانع وهو الرزاق ذو القوة المثين، فالفلاح يحرث أرضه ويلقي فيها البذور ثم يكل أمر الانبات إلى الله تعالى، يفعل السبب ثم يتوكل على الله، والمريض أيضا يأخذ العلاج ثم يتوكل على الله في الشفاء، والطالب يدرس ويجتهد ثم يتوكل على الله في النتيجة وهكذا في سائر الأمور.
إن التوكل -يؤكد الخطيب- هو زاد المؤمن في الحياة يتبثه عند الفزع ويدفعه إلى الاقدام على حسن العمل يملأ قلبه ثقة بالله وبالطمأنينة، فالمؤمن يجد في التوكل على الله راحة نفسية وقلبية، فاذا ما أصابه خير علم أن الله تعالى ساقه إليه فحمد وشكر، وإذا ما أصابته شدة أيقن أن الله وحده هو الذي أصابه اختبارا لايمانه أو مصلحة تعود عليه بالنفع، فالله عز وجل هو العليم بأحوال عباده فيفوض أمره إلى الله بكل ثقة واحتساب كما جاء في الأثر : “لو اطلعتم على الغيب لوجدتم ما فعل ربكم خيرا”.
وعلى المؤمن أن يعلم أنه إذا تخلى عنه عون الله تعالى فلن تغني عنه قوته ولا ذكاؤه وستعلاؤه، واذا ما اشتد به الحال وضاقت به السبل، عليه أن يطلب رعاية الله ومدده ويلتمس عونه وفضله فسرعان ما تزول شدته وتخرج كربته، لأنه إذا كان الله معك أيها العبد فمن تخاف وإذا كان عليك فمن ترجوك. إن معنى التوكل على الله أن يترتب العبد المقدمات ويدع النتائج لله سبحانه.
وقال الخطيب في الشطر الثاني من الخطبة أن من ينظر في كتاب الله تعالى وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام أن التوكل أوجبه الله على المؤمنين أي الاستعانة به سبحانه وطلب رجائه والاعتماد عليه وحده دون سواه، وأن أحكام ديننا توجب علينا الاعتزاز بالله والثقة به، وفي نفس الوقت تدعونا إلى اتخاذ الأسباب والسعي لتحقيق المطالب، من أجل ذلك كله لفت الله سبحانه نظر الانسان إلى الكون وما فيه ودعاه إلى التجول في رحابه من سير في أرضه وتأمل في جباله وغوص في بحره للاستفادة من خيراته، يقول الله تعالى : وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ”.
وتضرع الخطيب في الختام إلى الله تعالى بأن ينصر أمير المؤمنين ويحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم، وبأن يجعل كل مبادراته أعمال خير وبركة على البلاد والعباد، ويقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، ويشد عضده بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وبأن يحفظه في كافة أسرته الملكية الشريفة.