إدريس الأزمي يكتب: المفارقة الكبيرة والعجيبة بين رد الجزائر ورد إسبانيا والإتحاد الأوروبي

منقول عن صفحة ادريس الأزمي الإدريسي
“وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا”.
تحضرني هذه الأيام هذه الآية الكريمة باستمرار وأنا أتابع ما يجري من تطورات ديبلوماسية بين المغرب وجيرانه في الشرق والشمال.
حضرتني هذه الآية الكريمة وأنا أقرأ ما أعلنه وزير خارجية الجزائر من أن بلاده قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب ابتداء من يوم الثلاثاء 24 غشت الجاري مضيفا – دون أن يرمش له جفن وبلغة عدوانية بئيسة – أنه (“ثبت تاريخيا وبكل واقعية أن المملكة المغربية لم تتوقف يوما عن القيام بأعمال غير ودية وأعمال عدائية ودنيئة ضد بلدنا وذلك منذ استقلال الجزائر”).
وحضرتني أيضا هذه الآية الكريمة قبل أيام قليلة وأنا أقرأ رد رئيس الوزراء الإسباني السيد بيدرو سانشيز وشكره لجلالة الملك ورده بسرعة وأدب كبيرين على التحية التي وردت في فقرة من خطاب جلالته بمناسبة الذكرى 68 لثورة الملك والشعب، وتأكيده، في أول تصريح له قبل أقل من 24 ساعة من هذا الخطاب، أن إسبانيا تعتبر دائما المغرب حليفا استراتيجيا لها وللاتحاد الأوروبي مضيفا “نحن حلفاء وجيران وأصدقاء، ولذلك نرحب بهذه الكلمات لأنه بناءً على الثقة والاحترام والتعاون الحالي والمستقبلي، يمكننا بناء علاقة على أسس أقوى بكثير من تلك التي كانت لدينا حتى الآن”. وعلى نفس المنوال وبنفس التقدير والمسؤولية عبر الاتحاد الأوروبي عن إشادته بخطاب جلالة الملك وتأكيده على العلاقات القوية التي تجمع المغرب بالاتحاد.
هذه هي السياسة بمعناها الكبير والنبيل وهذه هي الديبلوماسية الحاذقة حينما يحملها رجالات الدولة الكبار مستحضرين مصلحة أوطانهم وشعوبهم وإرادتها.
بعد أزمة كبيرة وغير مسبوقة جلالة الملك يوجه خطابا واضحا وقويا يضع المواقف في سياقها الجديد ويعيد الأمور إلى نصابها ويدعو إلى فتح صفحة جديدة لأن الأزمات حينما تعترض العلاقات بين الدول ينبغي أن لا ترهن المستقبل وأن لا تستغل لتستديم وتتعفن، ولكن تتم معالجتها وتجاوزها لما هو أفضل وأحسن وأصلح وأنفع وهذا ما يحسن فعله رجالات الدولة الكبار وتستطيعه الدول العريقة والقوية التي تحرص على مصالحها العليا ولا هم لها إلا الدفاع عن مصالح شعوبها.
وأحسست بالمفارقة الكبيرة وبالألم والغصة وأنا أرى في المقابل الرد المتشنج لحكام الجزائر على سياسة اليد الممدودة التي استغرقها النصيب الأكبر من خطاب جلالة الملك بمناسبة الذكرى 22 لعيد العرش ودعوته لهم إلى العمل سويًا على تطوير العلاقات الأخوية التي بناها الشعبين المغربي والجزائري عبر سنوات من الكفاح المشترك.
وتعجبت من ردهم السلبي والمتهور للتحية وهو يتهمون زورا وبهتانا المغرب بأفعال عدائية ويقررون إعادة النظر في علاقاتهم بالمغرب وصولا الى قطع العلاقات الديبلوماسية باتهامات لا يمكن أن يصدقها صبي.
لقد تنكر حكام الجزائر مرة أخرى وكعادتهم لما قدمه المغرب عبر التاريخ الطويل، قبل الاستقلال وبعده، من تضحيات جسام بالغالي والنفيس ودعم متواصل للجزائر عبر محطات كبيرة وحاسمة لا يمكن أن ينساها الا ذوو النفوس المريضة والصغيرة والمنفصلة عن همومها شعبها.
وينسى حكام الجزائر أو بالأحرى يتناسون أنهم هم من يناصب المغرب العداء وهم يحتضنون على ترابهم، على مرأى ومسمع من العالم، جماعة انفصالية وإرهابية – صنيعة ومدللة حكام الجزائر- دخلت في حرب مع المغرب  وما زالت تعاكس مصالح المغرب وتعادي وحدته الترابية ويدعمها في ذلك، نهارا جهارا وعلى المباشر، حكام الجزائر بالمال والسلاح والديبلوماسية…على حساب راحة وسعادة الشعب الجزائري ومن خزينته.
على حكام الجزائر وغيرهم من خصوم المغرب أن يستوعبوا جيدا أن مبادرات المغرب ومواقفه بقدر ما تأتي من عمق الأخوة الصادقة وحسن الجوار والحرص على المستقبل والمصالح المشتركة، وهذا هو عين العقل ومنطق التاريخ، بقدر ما هي مبادرات من موقع المغرب القوي والجاهز والشامخ والعريق والشريف. المغرب القوي والجاهز بشعبه ومؤسساته وتلاحم مكوناته وبمؤهلاته ومقدراته. المغرب الشامخ والعريق والشريف في سياساته وعلاقاته ومواقفه المبنية على احترام سيادة ووحدة الدول والحرص على علاقات الود والتعاون وتكريس الأمن والاستقرار.
إن المغرب لا يعادي الجزائر ولا يمكن أن يصدق أي كان أنه يعادي الجزائر وهذه حقيقة يعرفها حكام الجزائر قبل غيرهم، لكن الحقيقة المرة التي تؤرق حكام الجزائر وهي أن المغرب يشكل عقدة أبدية لهؤلاء الحكام وغيرهم من خصوم المغرب وذلك بالنظر للنجاحات التي يحققها المغرب، داخليا وخارجيا، سياسيا وديبلوماسيا واقتصاديا واجتماعيا، ويجدون أنفسهم في حرج شديد ومتجدد، وهم الذي صرفوا ويصرفون من مال الجزائريين ما لا يعد ولا يحصى ضد المغرب ووحدته ومكانته في إفريقيا وغيرها، وهم عاجزون على أن يخفوا عن شعبهم هذه النجاحات أو في الحد الأدنى أن يفسروها بما يقبله العقل، فلا يجدون إلا اللجوء إلى الحملات الإعلامية المضللة والتعتيم والإشاعات وكيل الاتهامات تلو الاتهامات. وما قطع العلاقات الديبلوماسية اليوم إلا نتيجة طبيعية لكل هذا ولا يمكن أن يفسر بغير هذا.
ولو كان في حكام الجزائر رجل رشيد، فإن المغرب يشكل في الحقيقة حلا ونموذجا يحتذى إن حسنت النيات وتم تغليب المصلحة العليا للأمة واستحضرت مصلحة الشعب.
كما أن المبادرة الملكية باليد الممدودة من شأنها لو أخذت على محمل الجد أن تشكل فرصة لحكام الجزائر لتجاوز وحل هذه العقدة المستعصية ولبناء المستقبل الواعد للشعوب المغاربية كلها.
وعلى كل حال، تبقى هذه التصرفات العدوانية غير المفهومة وغير المبررة وغير النافعة زبدا لن تصمد أمام عمق علاقات الأخوة التي تجمع الشعبين وأمام نداء المستقبل وعناد الجغرافيا. فالمستقبل في النهاية للأنظمة الديمقراطية الراشدة وللشعوب التواقة إلى الديمقراطية والحرية والتعاون المجدي.

About محمد الفاسي