فاس: جهود أمنية محمودة ومقاربة اقتصادية تفليسية، والمحصلة تنامي الجريمة
بالرغم من الجهود الأمنية الكثيفة التي تقوم بها مختلف المصالح الأمنية التابعة لولاية أمن فاس، في محاربة الجريمة والتصدي لها من خلال اعتمادها لجميع المقاربات (الزجرية والتوعوية والتربوية والتأهيلية وووو الخ).
وبالرغم من أن حصيلتها في مجال مكافحة الجريمة وإيقاف المبحوث عنهم مشرفة جدا لا من حيث السرعة والفعالية، ولا من حيث التفاعل مع المجتمع المدني والساكنة، ولا من حيث دقة الخطط ولا من حيث احترامها لمعايير حقوق الإنسان ولا من حيث الانجازات التي تبرزها أرقام حصيلتها، فإن وضع فاس أصبح كارثيا لا يطاق بسبب ازدراء الوضع الاقتصادي وتدني مستوى القطاع السياحي ، أينما اتجهت تجد في طريقك قطاع الطرق وناشلي الجيوب وحاملي الأسلحة البيضاء والمقرقبين خصوصا على مستوى الأحياء الشعبية وعلى مستوى بعض المحاور بالأحياء الراقية.
تفشي الجريمة بمجتمع مدينة فاس أصبح موضوع حديث المقاهي ورواد العالم الافتراضي الازرق وموضوع انشغال النسيج الجمعوي الفاسي ويؤرق هواجس كل أسرة وكل زائر ووافد على هذه المدينة.
إن تفشي الجريمة وتحويل فاس من عاصمة علمية إلى حاضنة للمجرمين وخليط من الكائنات الأدمية الغريبة في أشكالها وفي فيزيولوجيتها، يبرز لنا الحقائق التالية:
أولا: أن الذين تعاقبوا على تدبير شؤون مدينة فاس لم تكن لديهم أي رؤية استراتيجية وأي رؤية مستقبلية لمستقبل المدينة وساكنتها، بل ساهموا بطريقة أو أخرى في استنزاف خيرات المدينة وتدمير منشآتها الاقتصادية بالتحالف مع فيروسات أدمية تم دسها في أحزاب سياسية وفيروسات بقبعات نقابية ساهمت في تدمير المنشآت الاقتصادية والمعامل وتفليسها وقتلها واغتيالها على غرار ما وقع لمركب النسيج COTEF.
ثانيا: إن البرامج التعليمية والمنهجية الديداكتيكية المعتمدة في المناهج التعليمية والتي يتم إفراغ محتوياتها في عقول ناشئتنا أعطت مفعولا عكسيا لقيم التربية والتكوين، إذ أن غالبية النشطاء في ميدان الجريمة انقطعوا عن الدراسة من الاسلاك الاعدادية والثانوية ومنهم من لايزال يتابعون دراستهم.
ثالثا: تسجل الجمعيات المهتمة بمتابعة الشأن العام الفاسي أن معدل الجريمة يرتفع مباشرة بعد كل مناسبة دينية ووطنية، مما يطرح تساؤلا عريضا ومحيرا لدى الرأي العام عن السر في ذلك، ليستنتج الجميع أنه عند كل مناسبة يتم الافراج عن أفواج مهمة من السجناء في إطار العفو الملكي ، وهو ما يعني أن المعفو عنهم يستأنفون نشاطهم الاجرامي مباشرة بعد خروجهم من أسوار السجن؟ وهو ما يطرح سلسلة من التساؤلات الأخرى تستدعي مناقشة الموضوع من طرف أهل الاختصاص ورجال القانون وممثلي الجمعيات وإعادة النظر في معايير الاستفاذة من العفو الملكي.
رابعا: سؤال يطرحه الرأي العام الفاسي …من يرخص بفتح مقاهي للشيشة بجوار بعض المؤسسات التعليمية ؟ هل هذا السلوك مقصود أم يأتي صدفة؟
خلاصة القول والاستنتاج
إذا لم تتدارك الدولة وقطاعاتها الحكومية الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي، فإن طوفان الجريمة سيصبح غير متحكم فيه، لأنه يفوق طاقة وقدرات المصالح الأمنية التي يضحي نساؤها ورجالها بحياتهم وبوقتهم على حساب سعادة أبنائهم، لأجل طمأنينة الناس وأمنهم وسلامتهم وسلامة ممتلكاتهم،وهنا لا يسعني إلا أن أثمن بالجهود الأمنية الكبيرة والفعالة.
إذ أن مشكل الجريمة يستمد قوتها من غياب التنظيم الاقتصادي وتراكم الثروات في أياد معدودة وتبييضها في المشاريع العقارية وتفليس المنشآت الاقتصادية وارتفاع معدل البطالة وتدني مستوى التعليم وجودته، وارتفاع تكاليف العيش في ظل استمرار تجميد الاجور، وهناك عوامل أخرى كثيرة .
لأجل هذا الغرض فإن النسيج الجمعوي يدق ناقوس الخطر من خلال شعارات دونها على ألبسة ، ويطالب بضرورة نهج سياسة اقتصادية واجتماعية قوية وتمكين الشباب الحامل للشواهد العليا من فتح مقاولاتهم الذاتية ومواكبتهم وتقديم جميع أشكال الدعم والمساندة لهم وضرورة محاسبة كل من يشتبه في تورطه وضلوعه في هدر المال العام وتبديده.
بقلم : محمد القاضي