فاس العاصمة …
ظلت مدينة فاس طيلت قرون خَلَتْ ضمن الحواضر المغربية الأكثر شهرة ، كأول عاصمة سياسية للمغرب و العاصمة العلمية ، و عاصمة للإبداع في مجال الصناعة التقليدية ، و صلة وصل تجارية أساسية بين شمال المملكة و جنوبها ، وغربها و شرقها ، لتصبح مؤخرا “عاصمة للإجرام” كما يحلو للبعض وصفها جراء تنامي معدلات الجريمة ، و التي أصبحت تستدعي في بعض الأحيان إطلاق الرصاص في محاولة لإنقاذ المدينة من يد أولئك العابثين بأمن وسلامة ساكنتها ، خاصة بالأحياء الموجودة على هامشها ، و التي هي بمثابة حزام ناسف لكل الجهود في ظل النمو الديموغرافي الفضيع لعائلات مهاجرة من القرى المحيطة ، و التي تسكن شققا ضيقة و في بعض الأحيان بيتا واحدا كما هو الحال في حي البورنيات بندباب ، الذي لا تتعدى فيه مساحة (الطابق) بجميع مرافقه بما فيها الدرج 21 متر مربع ،و الذي لا يمكن لعائلة تعيش فيه أن يمارس فيها أفرادها حياتهم الطبيعية محافظين على الحياء و متمتعين بأبسط متطلبات الحياة الكريمة ، ليفجروا جامَّ سُخطهم على الآخرين في الشارع العام ، و كأنهم هُم المسؤولين عن حالهم و مآلهم .
و ليس حي البورنيات الوحيد الذي لا يوفر متطلبات الحياة الطبيعية ، بل هناك أرذل من ذلك جراء العوز الذي يُحكم سيطرته على الكثير من الأسر جراء الكساد الإقتصادي الذي خلفه إغراق الأسواق بمنتجات صينية و تركية و التي قضت على نشاط صناعة الأحدية و النسيج ، حيثُ كانا النشاطين الأبرزين لكسب لقمة العيش بالنسبة للكثير من الأسر .
و أصبحت شوارع فاس تعُج بالعاطلين من الذكور حيث يمضون أوقاتهم بالمقاهي المتواجدة بكثرة ، و التي كانت في سالف عهدها قليلة العدد و لا تمتلئ إلا يومي الجمعة بالصناع والحرفيين ، و أيام الأحد بالموظفين و المستخدمين بالمعامل و المصانع التي كانت غالبية شِغِّيلَتِها من الذكور ، و نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر (كوطيف ، كوصيما ، التاج ، مانودرا ، كوفيطيكس ….) و التي أغلق أغلبها و لا زال الكثير من العمال في دعاوى قضائية منذ سنين للحصول على تعويضات عن سنوات العمل. ضِف الى ذلك أزمة مستخدمي الوكالة الحضرية للنقل الذي وجدوا أنفسهم بين عشية و ضحاها عاطلين ، و حتى من وصل منهم سن التقاعد فإن راتب تقاعده لا يتجاوز 1000 درهم و البعض قد يتقاضى أقل من 600 درهم شهريا قد لا تكفِيه لسداد فواتير الماء و الكهرباء ، لتجد بعض الأسر نفسها مجبرة على البحث عن شغل ضمن شركات الأمن و الحراسة و النظافة … و بأجور زهيدة جدا و كذلك الاشتغال بشركات النسيج التي أغلب المستخدمين بها إناثا و بأجور لولا توفير حافلات نقلهم للعمل ما كفتهم حتى للمواصلات .
لقد كان الفاسيون يتباهون بالانتماء لمدينهم ، لكن أغلب من حكمت عليهم الظروف بالعمل أو التواجد خارجها الآن يُرَددون بمرارة هذه القولة: لقد أصبحت أتحاشى قول “أنا فاسي ” ..
مواطن فاسي