عرفت كلية الشريعة بفاس، عصر يومه السبت، الموافق للخامس عشر من أكتوبر 2022 حدثا علميا تاريخيا، وقعه ورثة الفقيه المالكي العلامة سيدي محمد يعقوبي خبيزة، المتوفى سنة 1426 هجرية، حيث وهب ورثة المشمول برحمة الله خزانته بما احتوته من نفائس وكتب وذخائر علمية لمكتبة كلية الشريعة بفاس، ليستفيد منها طلبة الكلية التي درس فيها المرحوم وأفاد وخدم طلبتها لسنوات طوال، وهو الأمر الذي استحسنه أساتذة و أطر وموظفوا وطلبة الكلية.
السيرة الذاتية للعلامة الفقيه المالكي سيدي محمد يعقوبي خبيزة رحمه الله
تزامنا مع الحدث التاريخي العلمي الذي شهدته كلية الشريعة بفاس عصر يومه السبت الموافق للخامس عشر من أكتوبر 2022، نقدم لقرائنا الأعزاء نبذة من سيرة المرحوم الفقيه العلامة المالكي سيدي محمد يعقوبي خبيزة الذي تفضل ورثته ووهبوا مكتبته العلمية لخزانة كلية الشريعة بفاس، فهو سيدي محمد يعقوبي خبيزة بن العلامة سيدي عبد الهادي توفي رحمه الله سنة 2006 الموافق لسنة 1426 هجرية عن سن بلغت خمسة وستين عاما مباركة قضاها رحمه الله في رحاب العلم الشرعي و الثقافة الإسلامية و الدعوة إلى الله تعالى. لقد ظل الفقيد طوال عمره الميمون معطاء لم يتوقف عن العمل ولم تخب شعلته حتى توفاه الله، ويتجلى هذا في ما سطره من كتب ومقالات، وما فاض بـه لسانه من خطب ومحاضرات و دروس.
ولد رحمه الله بفاس عام 1941 م، نشأ في بيت علم و أدب نشأة طيبة متميزة كان لها أثرها في تكوينه فكرا وسلوكا، {والبلد الطيب يخرج نباتهبإذن ربه} انتسب إلى جامعة القرويين و حصل على الإجازة العليا من كلية الشريعة بفاس ودبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية ثم دكتوراه الدولة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس عام 1998.
تقلد رحمه الله و ظائف تعليمية متعددة، حيث عمل أستاذا بالتعليم الثانوي بكل من تازة وفاس وأستاذا بمدرسة المعلمين بفاس،ثم التحق بكلية الشريعة للتدريس بها عام 1983، وهو المنصب الذي بقي يشغله إلى حدود السنة الجامعية (2004ـ2005) حيث استفاد من نظام المغادرة الطوعية.
وقد عين الفقيد عضوا في المجلس العلمي المحلي لفاس منذ سنة 2001 واختير كاتبا له، وكان من أبرز العاملين في المجلس والمشاركين في أنشطته الثقافية والعلمية محاضرا وخطيبا…
وفي كلية الشريعة بفاس عرف الفقيد كواحد من أبرز الأساتذة المشهود لهم بالإخلاص والأمانة والجد والمثابرة، تخرجت على يديه أفواج عديدة من الطلبة المغاربةوالأفارقة، وأشرف وساهم في مناقشة العشرات من الرسائل والأطاريح الجامعية، وشارك في العديد من الملتقيات و الندوات العلمية المنظمة هنا وهناك، وكان خلال كل ذلك متميزا ببصيرة نيرة وحس نقدي عال وغيرة جامحة على الإسلام.
ترأس رحمه الله شعبة التفسير والحديث وأصول الفقه بكلية الشريعة لدورات عديدة كان أثناءها حريصا على تطوير و تجديد سير العمل الجامعي سواء في شقه التربوي أو في شقه الآخر المرتبط بتنمية البحث العلمي، كما ترأس وحدة للدراسات العليا متخصصة في مناهج البحث في القرآن والسنة.
من مؤلفاته المنشورة:
- العدد الأول من سلسلة كتاب ” دعوة الحق ” تحت عنوان:” الوحي وأهميته في المعرفة” نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (يوليوز 1998).
- العدد الحادي عشر من ذات السلسلة تحت عنوان:”حقوق الطفل التربوية في الشريعة الإسلامية (2002).
- كتاب” الوجيز في المدخل إلى دراسة تفسير القرآن الكريم” (طبع أنفو برانت بفاس 1986).
- كتاب “الأصول اللغوية في تفسير النصوص الشرعية” (طبع أنفو برانت بفاس 1999).
- الاتجاه الاجتماعي في تفسير القرآن الكريم -تحت الطبع-، وبالإضافة إلى هذه المؤلفات أسهم الفقيد بالكتابة المنتظمة في عدد من المجلات الثقافية والعلمية أبرزها: دعوة الحق -الإحياء- مجلة كلية الشريعة- مجلة القرويين- مجلة دار الحديث الحسنية وجريدة المحجة وغيرها.
وكانت له رحمه الله أنشطة ثقافية متعددة عن طريق المشاركة في الندوات العلمية والملتقيات الفكرية والمساهمة في الأحاديث الإذاعية، ولعل أبرزها إلقاؤه لدرس حسني بتاريخ يوم الثلاثاء 14 رمضان 1418 / 13 فبراير1998 تحت عنوان :”مقومات العبادة وفوائد العبودية في الشريعة الإسلامية”.
ولا شك أن نجاح الفقيد في توسيع دائرة مشاركاته العلمية راجع بالأساس إلى شخصيته المتميزة المركبة الجامعة لخصال قل امتزاجها في الأساتذة العاديين، ويكفي أن الفقيد إلى جانب تكوينه الشرعي الرصين استطاع التسلح بثقافة معاصرة وحديثة لا بأس بها، وذلك بفضل اطلاعه الواسع على الكتابات الثقافية السائدة واستيعابه للمتغيرات والتحديات الفكرية الغازية ومتابعته ورصده لكل ما من شأنه أن يشوه صورة الإسلام دينا وثقافة وحضارة.
لقد كان رحمه الله لسانا من ألسنة الصدق وداعية من دعاة الحق والخير، وكان يجمع في دروسه ومحاضراته بين العلم والأدب وبين الإقناع والإمتاع، وكان لا يدع شبهة تحوم أو افتراء يقوم حول قضية من قضايا الدين والمجتمع إلا قام برده وتفنيده بالدليل والبرهان، ولذلك عرف عنه أنه كان راصدا لكل التيارات الجانحة والأفكار المنحرفة، فكان يرد ويصحح ويقوم بكل غيرة وحماسة، لقد امتاز رحمه الله بالصراحة في دروسه ومحاضراته ومناقشاته، فهو يقول الحق كما يعتقده،لا يخاف لومة لائم،ولذلك كله بكته الأوساط العلميةوالثقافـــية والطلابية بحرقـــة وألم ورأت في رحيـــله المفاجىء خسارة أليمة.
رحم الله الفقيد وغفر له وتقبله في الصالحين من عباده وجزاه عن العلم والدعوة خير ما يجزي به الدعاة الصادقين والعلماء العاملين، وتقبل هبة ورثته ونفعهم بها جميعا و”إنا لله وإنا إليه راجعون”.
عن موقع: فاس نيوز