مكناس المدينة الاجتماعية والإنسانية.
محسن الأكرمين.
قد يصدر أي كان حكم قيمة (قلق) ويقول: أن الزمن التنموي بمكناس يضيع بمتتالية التسطيح. قد نعلن بالاستعجال بأن المدينة أمام خيارين أساسيين: إما استثمار الفرص المتبقية لديها بالواقعية و فتح نقاش مديني/ عمومي حول مستقبل المدينة، بغاية الدخول بدينامكية متحركة في بناء إستراتيجية إرساء النموذج التنموي الجديد للمدينة الاجتماعية والإنسانية. فيما الخيار الثاني، فهو الخيار الأسوأ في تدوير الإبقاء على وثيرة التراجعية التنموية (العجز الاجتماعي/ الاستثماري/ السياسي/ الثقافي…) ودوام الحفاظ على النتائج الباهتة على المستوى النتاج الداخلي والجهوي والوطني.
حقيقة لا مناص من استحضارها، وتتمثل في غياب ميثاق الاتفاق على إنشاء شروط المصالحة الحقيقية مع المدينة والساكنة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا. في غياب فتح أوراش تشاركية تهدف إلى بلورة رؤى ناجعة للتنمية التفاعلية الجديدة. في نكوص تدارك القصور في مجال إنتاج الحلول الابتكارية والإبداعية، والترافع عن حق المدينة (مكناس باغيا حقها من المال العام).
يقولون بالافتراض: مكناس لن تخرج حتما عن سلسلة الإخفاقات المستديمة، إلا بامتلاك وترصيص المشاركة للجميع، من خلال تقويم سياسة العقود السابقة (الافتحاص/ الحكامة)، والقطع مع كل الممارسات التي أعاقت التنمية بالمدينة بالمحاسبة، وتخطيها بالمكاشفة. وكذلك إلا من خلال توضيح أولويات المدينة المستجدة، وفرز كل المقترحات المتمثلة في صناعة المعرفة والاقتصاد التفاعلي، والحكامة التساؤلية، وتحسين أداء الفاعلين العموميين والخصوصيين. ولن يتم هذا التحكم في مستقبل مكناس، إلا من خلال الرفع من المورد البشري عبر تثمين الكرامة وفي مقدمتها الحماية الاجتماعية، والخدمات والتجهيزات الأساسية (مكناس المدينة الاجتماعية).
قد لا ننفي تلك المجهودات البانية بالمدينة مهما كان سلم نموها وإخفاقاتها، قد نعيب على “السياسة العامة للدولة” دورها في غياب تتميم تنمية المدينة، لكن المطالب تتسع ويرتفع سقفها، إلى متى؟! لذا هنالك تحديات تعيشها المدينة والساكنة. هنالك غياب الثقة في الفاعل العمومي (السياسي) والخصوصي (الاستثماري). هنالك تهالك تراجعي في مرافق المدينة الصحية والرياضية والتعليمية والخدماتية، وغياب (الأوراش الكبرى). هنالك الزمن الميت الذي تقاسيه المدينة بغياب السرعة النهائية نحو جودة التنمية، وفق رؤية النموذج التنموي الجديد وتحقيق معادلة الرفاه للجميع !!! هنالك تفكير متوارث من زمن الترميمات في مدينة تصوم عن التنمية التجديدية، هناك شد للخلف لم تقدر فيه المدينة الوقوف على رجليها، والمرور نحو الزمن الثاني من التنمية (المدينة الذكية).
“السياسة العامة للدولة” أو المصطلح الجديد “النموذج التنموي الجديد”، هو قناعة من الدولة العليا بضرورة إحداث التغيير وفق مسايرة “الإصلاحات ضمن السلم الاجتماعي”. هو قناعة جزئية في إعادة النظر في توزيع الثروة الوطنية العامة، ونفوق التنمية المتقطعة (النموذج التنموي القديم).
كيف تتخلص مكناس من حجم إكراهات الماضي واختلالاته والسير نحو المستقبل؟ يبقى حتما السؤال قائما، ما لم يتم الاحتكام إلى الحكامة، وتعرية الموروثات المعيقة الكبيرة، وكي الفساد (من حرارة الكاوية). يبقى هذا السؤال يرمينا إلى أسئلة أخرى فرعية، تستكشف كفاف الفاعل السياسي في فهم عناصر النموذج التنموي الجديد “السياسة العامة للدولة” وترتيب الأولويات الضرورية لمكناس.