محسن الأكرمين.
من عيد الأضحى تعلمنا الحرص باستيفاء السنن ونقلناها مرات عديدة نحو الفرض الواجب. من العيد نتوسل خجلا إلى الله عزّ وجلّ بمحو ما صدر منا من الإثم والأفعال المجانبة. من العيد تعلمنا قيمة التضامن والتآخي بين الجيران وساكنة المدينة وشعب الوطن. من العيد قد نتخلى عن أبراجنا العاجية والعالية، و قد نوزع الابتسامات والقبل الرباعية قبل أن تستبد بالجميع السيدة الحاكمة بأمر الجائحة “كوفيد 19”. من العيد تعلمنا قيمة القربان الأملح الأقرن وكبش الفداء الدموي. من صباح العيد ينتهي فصل الجري وراء الذبيحة بالنحر وتعلو أدخنة الشواء الجماعي و (تشويط الرؤوس) ورمي (البطانة) على قارعة الطريق !!!
لــن ولم يكن العيد بالمثالية المعيارية التي سن من أجلها منذ زمن سيدنا إبراهيم عليه السلام وفدية الذبيحة السماوية، بل التحولات الاجتماعية التوافقية أنتجت لنا معايير مجانبة لسنن التشريع، ومخالفة لروح العيد الفضلى. أنتجت لنا تلك الفوضى العارمة التي تصيب الأسر والمدينة والوطن. أنتجت لنا نهما مستطيلا وغير سوي في الأنانية والتفاضل والتفاخر. أنتجت لنا ممارسات جديدة من نصابة السوق والشناقة و(التشلهيب)، ومن غياب السلامة الصحية عند بعض (الكسابة) الجشعين الماكرين.
في كل عيد تتكرر مظاهر وممارسات غير سليمة بل تزيد استفحالا. العجيب في تلك المظاهر المشينة أننا نمارس نقذها والتلويح إليها بعدم الرضى، ونمارس التعليق عليها في المواقع الاجتماعية علانية ونصفها بأنها مظاهر من تاريخ البدو القديم. لكننا بوجه المخالفة، نزكي عملها من خلال الاتجاه إلى (مشوط) الرؤوس الفوضوي، والاستعانة بخدماته المؤدى عنها بزيادة وأريحية. أو من خلال رمي نفايات بقايا العيد بعشوائية مقيتة، وننتقده بأصابعنا من تحت جلباب سلوكيات المغاربة أيام العيد و إهمال عمل شركات النظافة. إنه بؤس الازدواجية و السلوك الحقيقي، إنه بداية هدم ما تم امتلاكه من وجه الحضارة والتحضر و الاستسلام إلى المظاهر غير المهذبة الآتية من التحولات الاجتماعية المفزعة، والقاتلة لما تبقى من السلوكيات الحضارية الرصينة.
أصبح العيد في أيامنا هذه وفق مقولة (هذا العيد ما علينا الحكام)، فالسلطة تتخلى عن ملاحقة الفراشة والبائعين و(الشناقة) خارج الأسواق. فالسلطة تتقاعس عن تحرير الملك العمومي مادامت كل أسلحة الدمار الشامل معروضة علانية وبالوفرة الزائدة. فالسلطة تستكين إلى الخلف حتى لا تفسد فرحة عيد البياعة وفراشة الفاخر(الفحم) و(مول) التبن ومبري السكاكين…. إنها حقا السلطة التي تعرف نفسية الساكنة السلبية والفوضوية وتحولها إلى محفزات إيجابية بحرية بسط اليد بأمان إلى حين. فيما أمن المرور فينسحب اضطرارا ويترك متابعة (كاسك مول الموتور) ، ومخالفات الوقوف الممنوع، والسير في الاتجاه المعاكس، ونقل السواقة في (بيكوب أكثر من الأضحيات) …إنها الفوضى الهادئة بالمواءمة والتكيف والتي يحدثها العيد بكل أريحية ( وتغماض العينين بالتمياك) .
حتما سادتي الكرام، هو عيدنا جميعا مخصص للفرحة والبهجة، فيا رب لا تنغص فرحته على أحد… سادتي الكرام أباركم عيد الأضحى بدعوات المسرات، وأن يتقبل الله منا ومنكم قربان الفدية وحسن الأعمال… أباركم دوام الصحة والأمن الرباني بالحفظ والستر، والتحكم في المواقف الاحترازية الوقائية مني ومنكم. سادتي الكرام، أدعو للجميع بأكف دعاء مرفوعة بأمن صحي لذواتنا الفردية ولأسرنا الصغيرة ولساكنة مدينتنا، و لمجموع وطننا الكريم الكبير …ومنكم الدعاء لي بالفضل والتيسير إن شاء الله…