محسن الأكرمين.
في حوار كان مع صديق إعلامي إذاعي قرب منصة افتتاح مهرجان وليلي لموسيقى العالم التقليدية. تناولنا فيه كفاف تطوير الأداء في هذا المهرجان السنوي، وغياب الأثر الكبير على الصعيد الدولي والموقع التاريخي، وكأن المهرجان بات ثقلا محمولا من قبل الوزارة الوصية ومديرية الثقافة الجهوية بفاس مكناس. كان حوارا بريئا وبلا خلفيات، ويشير إلى مجموعة من النقاط السلبية التي لازالت تعشش في جبة المهرجان، ولم يستطع القيمون عليه التخلص منها بالمرة الواحدة.
لم يكن الحوار بيننا، إلا نوعا من المكاشفة للحقيقة التي تظهر في فقرات المهرجان غير المرتبة، وتختفي في محدداته الأولى المقحمة حد التخمة وإعياء الحضور، بفقرات غير منسقة بالهندسة التامة. حقيقة لم يكن حوارنا إلا نبشا على مكامن الخلل، و تمركز سيادة الرأي الجهوي في مهرجان داخل حكم الترابي لمكناس. لم يكن الحوار غير قراءات لما مضى من المهرجانات السابقة، وحمولة الكم الفني بالتفرد، والنوعي في الأداء والأثر. لم يكن الحوار فقط يُفَتش عن تلك الزوايا المنغلقة في الرؤية التحضيرية للمهرجان بالاستعجال والسرعة النهائية، وغياب التشاركية والتسويق الأمثل، بل بحق كان حوارا يوازي بناء شجرة الإكراه والاختلال، واقتراح حلول بسيطة تُحيد الأسباب المعيقة، وتضع الرؤية البنائية مكان الفكر الأحادي (التحكم) لمديرية الثقافة الجهوية بفاس.
بحق تطور الحوار بيننا إلى أن وصل حدود مجموعة من مطالب التطوير، كبناية مسرح (روماني) بمدخل وليلي، وإنشاء وكالة مستقلة تدبر وتدير شأن المهرجان وفق ببيانات موضعية، وتعاقدات تسويقية تقيس الأثر والعوائد. قبل حدود فورة ثورة المطالب التصاعدية، كان الحوار سلسا وصديقي يبدع في الاقتراحات والبدائل، وابتكار الحلول بالموازاة مع النقد البناء والتفاعلي. لحظة سألته، ولما كل التصريحات التي تجمعها تزكي نجاح الدورة (21)، وتصنع كلمات المديح في القيمين الجهويين للثقافة، والثقافة المحلية بمدينة مكناس؟
لم يكن صديقي الإعلامي الإذاعي ينتظر مني هذه الانتفاضة عن مآل مخارج حوارنا الذي يحمل نكهة دسمة من السفسطة المدوية والزائدة. هنا تراجع صديق موطأ قدم إلى الوراء، هنا لملم صديقي كلامه، وارتشف رشفة ماء من قنينة معدنية ساخنة بحرارة طبيعية، وانتقل بكلماته نحو الدارجة بدل المصطلحات (العميقة) الأولى التي كان يمطر مسامعي بها ( شتي عندي واحد الطبع مكناسي، ما تنبغيش لي عيب لي في المدينة، ولا لي تيحط من مكانتها الاعتبارية التاريخية، ولا من أنشطتها مهما كانت !!! )، فقلت: هل النقد يوازي الحط من مكانة مدينة منهكة بالمديح؟.
قد ينتهي الحوار بعلامات استفهام عن دور الإعلام والإعلاميين ونقل الحقيقة بلا رتوش من ملون الشفاه المبتسمة. هنا تساءلت باعتراض موضعي إذا (نقولوا العام زين) وانتهى الافتتاح بالنجاح المدوي، وبالتكريم البديع . حقيقة، لم تكن مبررات ومسوغات صديقي الإعلامي إلا عنوانا قصيا يجمع بين الحقيقة الشفهية النقدية، وبين التركيب الصوتي المنمق، وتصريحات مفبركة بأن مهرجان وليلي يعتبر حدثا فنيا وطنيا ودوليا وجهويا ويقام بتراب مدينة مكناس المليحة.
حين أحس صديقي الإعلامي الإذاعي أن لسعة حرارة موقع الافتتاح المتعري للسماء ليلا، وغبار الأرضية رغم كسوة الزرابي الحمراء، وسخونة الماء المعدني على قلته، ومنحه (بالوجوه). بدأ يتململ إعلانا بترك المكان والحوار المربك المستفز، والبحث عن تسجيل كلمات رخوة عن المهرجان حتى لا تفسد ليلة الافتتاح بالمنغصات الحقيقية.
عن موقع: فاس نيوز