في زمن كورونا نتفقّد بشغف ولهفة تطور حالات كورونا المسجلة، وقت محدد نترقب فيه ذلك الرقم المخيف.
كم هو عدد الحالات المسجلة؟ هل هناك وفيات؟
تتزايد الأرقام يوما بعد يوم لتكشف لنا ماذا جنيناه على أنفسنا، على أقرباءنا، على من هم حولنا نتيجة استهتارنا ولا مبالاتنا وسلوكياتنا.
ننفعل، نغضب، نتأسف، نيأس شعور وليد الساعة لا يلبث ان يغادرنا، وبعد ذلك ننسى كل هذا ونستقبل يوما جديدا بنفس السلوك ونفس الاستهتار ونفس القناعات.
إلى متى؟ وإلى اين؟
أما آن الوقت أن نفكر في من خارت قواهم، تعبوا وضحوا بكل شيء: حياتهم، أطفالهم وأسرهم، بيوتهم سكنها الخراب.. قلقوا لنطمئن ويئسوا ليزرعوا فينا بريق الأمل.
أما آن لنا أن نعتبر ونتعظ ونرد لهم البعض من جميل صنعهم؟
ذات يوم غير بعيد، زرت مصلحة استشفائية ترعى مرضى كورونا، حاولت جاهدة رسم ابتسامتي المطمئنة المعهودة، التقيت بالزملاء وتبادلنا حوارا مقتضبا، فوقتهم ثمين ومسؤولياتهم جسام، عمل شاق مضن لا مجال للخطأ أو السهو، تنسيق كخلية نحل رغم التعب والإنهاك، يرسمون على محياهم ابتسامة الرضا والحماس.
ابتسامتي غابت وانطفأت، وحلت محلها نظرة حزن كبير عندما لمحت عيناي أثناء مغادرتي المكان سيدة عاملة من عاملات النظافة بلباسها المطاطي الحاجب للفيروس اللعين.
آثار التعب البادية على محياها شاهدة على كم هائل من المعاناة، حيث فُرض عليها، مع حلول هذا العدو المقيت، أن تكون أول زوار الغرف والحجرات وآخر مغادر لها، مستحضرة كل سبل الوقاية: لباس خاص، طقوس خاصة لم تألفها وهي البسيطة المعتادة على العمل بتلقائية بريئة.
بخطوات مدروسة مرتبة ووجه مقنع يحجب عالمها الخارجي وجدت نفسها في خضم هول الجائحة تعاني وتكابد مع عدو صامت.
نال منها التعب الشيء الكثير.. ساهمة شاردة كأني بها تستعطف وتناشد الرحمة والرأفة.
سئمت وتعبت وبلغ الصبر منتهاه.
- طبيبة ومسؤولة التواصل بالمديرية الجهوية للصحة بفاس مكناس