أسطوانة محاربة الغش في الامتحانات و زمن”كورونا”.
محسن الأكرمين.
لن يختفي الغش في الامتحانات حيثما لازال حاضرا بيننا من يرعى الفساد وينمي موجهاته الكلية. لن ينقضي التجديد في ابتكار الوسائط الإليكترونية التي تنتج خصيصا للغش في الامتحانات، ما دامت عقليات من بعض التلاميذ قد امتلكت مهارات سلوك الغش (النجاح البارد). قد ينتج المشرع عدة قوانين زجرية لحالات الغش ولن يصل إلى نهايات تجفيف المستنقع كليا. فيما بيانات الغش تأبى أن تبقى متجددة مثل الحرباء المغيرة لألوانها في مراكز الاختبارات، وبات الجهد ينصب على محاصرة الغش (شوف تشوف)لا في تجويد أداء الامتحان خاصة ونحن في سنة الاستثناء(باك موسم كورونا).
كيف لتلميذ نجح بالغش أن يتم تأمينه على مستقبل الوطن؟ لن نجيب عن هذا السؤال فأنتم مني أدق في تعداد نتائجه بالملحوظ والأدلة. قد تكون (كبسولات) التحذير من آفة الغش في الامتحانات وغيرها لم تنفع لحد هذا الموسم في بناء سلوكيات الحكامة ونيل الشهادة بجودة المنطلق والمخرجات. قد تكون تلك الأسطوانة السنوية في محاربة الغش قد شاخت بين مسامعنا ونفدت بطاريتها، وبات ترديدها مملا عند اقتراب مواعيد الاستحقاقات الإشهادية، قد نستهلك مقاطعها بنفس المعطيات والمصطلحات والتدوينات والملصقات واليافطات كل سنة، قد نستحضر نفس فصول محاربة الغش في الامتحانات ونتساهل في تطبيق القانون.
لن نربح من تأمين مصداقية الامتحانات فقط عند نهاية السنة الدراسية وبآخر اختبار ميزة جودة الشهادة، بل يجب أن يحضر محارب الغش والفساد طيلة السنة الدراسية كتربية وإنصاف ووعي جماعي بأن القانون يعاقب الغشاش، يجب أن يكون حديث محاربة الغش حديث حكامة سلوك مدرسي عادل، وأن نكون قناعة داخل المنظومة التعليمية في أن الغش هو من بين المعاول التي تنسف كل إصلاح و تدمر المدرسة، فالغش بعينه الصغيرة هو الفساد كبيرا، ومن بين السلبيات الموروثة حد قول الصدمة في أن: (البلاد كلها طالعة بالغش).
ذئاب الغش يحتاجون إلى القطيع الفاسد، وقطيع الغش يحتاج إلى الذئاب الميسرة للغش والمروجة له بالتجديد، هي منظومة سلسلة الغشاشين بامتياز والمغلوقة بالحماية والتطوير، هو غياب الثقة في الذات الفاشلة وفي المعارف المتراكمة بالتكرار، وحتى في الإطار المرجعي للامتحانات الإشهادية الذي لم يجدد من آليات تمرير التقويمات التكوينية، هو الخوف والفزع العاطفي من الرسوب الذي يسقط بعض التلاميذ في شرك الغش، هو حلم المستقبل (الانتهازي) في مسار الفساد وتزكيته عند الغشاشين، هو النجاح الذي بات عند البعض صدفة وبدون مجهودات ذاتية مبذولة.
كلامنا لا يعمم كليا مادام الجد والاجتهاد لازال يحضر في فصولنا الدراسية، لكنا اليوم لن نكتفي ببهرجة ملصقات محاربة الغش فقط وتصويرها بأنها الحل، بل ندفع إلى رؤية شمولية تقتلع الغش من مشاتل الفساد اليانع، ندفع إلى محاربة كل أنواع الغش والتدليس والتزوير والاستغلال و سياسة الريع ، ندفع إلى طموح تغييري ما بعد “كورونا”، والتي حقيقة قد عرت عن عورات النواقص، وأبانت مشكلة الفوارق الاجتماعية، وأن ثلث الساكنة وتزيد تحتاج إلى الدعم. أبانت أن هنالك بيننا من يقدر أن يتاجر بالصحة العمومية (الغش في صناعة الكمامات)، أبانت أن تفكير عقليات البذخ والترف والاستهلاك (المهلك) قد نالت قسطا من سلوك عموم الشعب وطموح الوصول إلى مراكز القرار مجانا وبدون مجهودات. أبانت أن العقد الاجتماعي الوطني والالتزامات الأخلاقية التي يجب أن تكون مشتركة بين الشعب عموما قد كانت مفبركة ولم تقدر على ردم تلك الفجوات والفوارق الاجتماعية السحيقة.
مناهضة الغش هو محاربة الفساد بشموليته حقا وبدون غربال استثنائي يغطي أشعة شمس أسباب وأعراض الفساد المستقوي. فلن نقدر على بناء جيل غير غشاش مادام الفساد يزين مطامع حياة الريع (وأكل مال الفابور)، مادامت معادلة الإنصاف والثقة في الدولة والمستقبل لم تستوف بيان العدل و تطبيق مساند الحكامة في الحقوق وفي أداء الواجبات.