عن مقال لـ : نعمان الهاشمي.. بتصرف
في حي “باب فتوح” في مدينة فاس العتيقة في المغرب، كان محمد الغزاوي شخصًا مشهورًا. منذ استقلال المغرب، كانت حافلات النقل الوحيدة تقريبًا التي تنقل المسافرين إلى تاونات وغفساي وعين عيشة، وكان القرويون يستخدمونها للنزوح إلى فاس، وكانت تعرف باسم “كيران الغزاوي”. قام رجل الأعمال المغربي محمد الغزاوي بإنشاء أسطول نقل باسمه، وكانت رخص النقل تقتصر بشكل كبير على عائلته وأشخاص آخرين.
بعض هذه العائلات كانت مرتبطة بالحركة الوطنية ودعمتها ماليًا، بينما قامت بعضها الآخر بتكوين تحالفات وروابط مع الاستعمار الفرنسي. ومع ذلك، كان الغزاوي يحافظ على علاقات وثيقة مع فصائل الحركة الوطنية، وخاصة حزب الاستقلال، وكان واحدًا من أبرز قادته في تلك الفترة.
في ذلك الوقت، كانت الحافلات تعبر النهر سبو قبل أن ينجذب الملك فهد بن عبد العزيز إلى جمال المنطقة ويقيم فيها قصرًا فخمًا. وفي غضون ذلك، كان الغزاوي يسافر على مسافات أطول لضمان استقرار الأمن في البلاد. تولى منصب مدير عام للأمن الوطني في فترة صعبة تسودها الاضطرابات والصراعات الحزبية، حيث تم استخدام جميع أنواع القمع ضد الأعداء السياسيين الذين ناضلوا سرا وعلناً للسيطرة على السلطة والنفوذ.
وفي سياق متوازٍ، اعترفت فرنسا بنهاية حقبة الحماية واستقلال المغرب. انطلق المغرب في توسيع نفوذه وسط البلاد، حيث تحولت القطاعات التي كانت تديرها فرنسا، مثل الأمن والجيش والقضاء والإدارة، لتكون تحت سلطة المغرب. كان ذلك خطوة استراتيجية حاسمة لتحقيق استقلالية كاملة وتطوير القدرات الوطنية.
وفي الرابع عشر من مايو عام 1956، اتخذ المغرب قرارًا تاريخيًا بتأسيس القوات المسلحة الملكية، التي جمعت بين الضباط المغاربة الذين تخرجوا من المدارس الفرنسية والأفراد الذين قاتلوا إلى جانب الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية. هذا القرار الجريء.
في مهمة صعبة، سيتحمل محمد الغزاوي ثقلها بكل قوة وتصميم، حيث تم تعيينه كمدير عام للأمن الوطني في التاسع عشر من مايو. وتكمن تحدياته الرئيسية في عملية دمج أعضاء المقاومة وجيش التحرير في قطاع الأمن النظامي. وكان للوزير الاستقلالي إدريس المحمدي، الذي تم تعيينه وزيرًا للداخلية في حكومة مبارك البكاي الهبيل، دور قوي في دعم هذا الجهد. وقد أيد الحزب الاستقلالي، الذي ضم في صفوفه شخصيات نافذة مثل المهدي بن بركة وعلال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد وأحمد بلافريج وعمر بن عبد الجليل وعبد الله إبراهيم وغيرهم، هذا الاتجاه.
كان لدى الحزب الاستقلالي ملاحظات سلبية بشأن وجود القائد الحسن اليوسي وزيرًا للداخلية في الحكومة الأولى. وبعد تولي مسعود الشيكر منصب وزير الداخلية بشكل مؤقت، تم تسمية الوزير المحمدي للمنصب واستلامه المسؤولية.
من المتوقع أن يواجه محمد الغزاوي تحديات كبيرة في مهمته الجديدة، إلا أنه بقوته وإرادته، سيسعى جاهدًا لتحقيق الاندماج السلس والفعال بين جميع القوى الأمنية، بهدف تعزيز الأمن والاستقرار في البلاد.
خمسينيات القرن الماضي شهدت ندرة أعداد الأثرياء في المغرب، ولكن محمد الغزاوي تمكن من البروز والتميز بينهم. عندما تولى منصب مدير عام للأمن، أظهر سخاءً كبيرًا تجاه الموظفين الذين كانوا قلة في عددهم. بل وصلت سخاؤه إلى حد أنه كان يدفع بعض الرواتب من ماله الخاص بدلاً من خزينة الدولة، خاصة في السنوات الأولى للاستقلال عندما كان المغرب يعمل على تنظيم هياكله الإدارية والمالية. كان هناك بعض الوزراء والمديرين الذين رفضوا استلام رواتبهم من خزانة الدولة، حتى جاءت فترة أخرى تردد فيها بعض رجال الأعمال الكبار أن مصالحهم التجارية تأثرت بسبب انشغالهم في العمل الحكومي. ومع ذلك، قام الغزاوي، الذي كان يعيش في قصر فخم في أحد أحياء الرباط، بتنظيم حفل زفاف باذخ في وقت تفاقمت فيه الأزمة، مما أثار الانتقادات. ولكنه لم يهتم بهذه الانتقادات واستمر في تقديم الدعم والسخاء بعزم وسعادة.
أثناء فترة إدارة محمد الغزاوي للإدارة العامة للأمن الوطني، لم تثر الأجهزة التابعة لها تساؤلات كبيرة. وقد كان القسم الذي أرعب المعارضة لاحقًا، المعروف بـ “الكاب واحد”، يعمل كجزء من الإدارة بنفس المواصفات التي كانت تستخدمها الحماية الفرنسية. اختار محمد الغزاوي رجل قانون محترفًا ليتولى رئاسة هذا القسم، وهو النائب البرلماني محمد الجعيدي، الذي كان يركز على الملفات الإدارية بدلاً من القضايا السياسية.
كان الغزاوي يستشير رجال السياسة من حزب الاستقلال وخارجه، وكان يدعوهم للاجتماع في منزله الفاخر الذي استضاف لقاءات تحدد فيها مصائر الكثير من الأشخاص والأحداث. على الرغم من تبنيه لمواقف مفتوحة تجاه فصائل المقاومة، إلا أنه لم يتمكن من السيطرة على الصراعات الحزبية التي وصلت إلى حد التناحر والاقتتال، وأدت إلى تشكيل ميليشيات غير قانونية.
بدءًا من ذلك الوقت، ظهرت علامات وجود معتقلات سرية، ولكن لم يتم الإشارة إليها بنفس القوة كما كانت المواجهات مع المعارضة. في ذلك الوقت، كانت الحكومة تستخدم القوة لقمع التوترات والاضطرابات المدنية، كما حدث في المناطق مثل الريف والأطلس المتوسط وغيرها، حيث تم توثيق تجاوزات خارجة عن القانون.
استمر وجود المتعاونين الفرنسيين في إدارة الأمن لفترة أطول مما كان متوقعًا، وفي الوقت نفسه، زادت الأحداث التي دفعت ببعض الشخصيات العسكرية إلى انتقاد توريط إدارة الأمن تحت هيئة حزب الاستقلال. ومع ذلك، تم تعيين محمد أوفقير مديرًا للأمن بعد ترقية درجته العسكرية، وأصر أوفقير على تعيين ضابط عسكري آخر كمدير عام للإدارة بالنيابة، وهو أحمد الدليمي. هذا القرار أعطى أوفقير حرية أكبر في الجهاز الأمني، حيث كان يحلم بالسيطرة عليه. وفي ذلك الوقت، كان يعتقد أن من يمتلك المعلومات وحده يمكنه اتخاذ القرار المناسب.
نتيجةً لهذا السبب وغيره، قرر أوفقير التركيز على جانب الاستعلامات والاستخبارات، ومد يديه على جهاز “الكاب واحد” ليكون أكثر استقلالية عن الإدارة العامة للأمن، على الرغم من أنه لا يزال تحت سيطرته ويستقطب أعضاء من إدارة الأمن في المقام الأول. رأى تطورات الأحداث في بداية الستينيات بأنها لا تساعد في تعزيز سلطته، على الرغم من الدعم الذي حصل عليه من السلطة. بسرعة، نجح في تحويل إدارة الأمن إلى قوة قاهرة. اعتبر ذلك أفضل طريقة لتعزيز النظام، وكان يحلم بمزيد من التقدم قبل أن ينكسر حلمه في محاولة انقلاب فاشلة في صيف 1972.
في 10 يوليو 1965، أصدر مرسوم ملكي بإعفاء محمد الغزاوي من منصبه كوزير للصناعة العصرية والمناجم والسياحة والصناعة التقليدية. تم تعيين ثلاثة وزراء لتولي المهام التي كان يشغلها، وهم: الحسن عبابو في السياحة، ويحيى بن سليمان في الصناعة العصرية والمناجم، وعبد الحميد الزموري في التجارة والصناعة التقليدية.
يتضح من التوزيع المذكور أهمية القطاع الذي كان يشرف عليه محمد الغزاوي. سواءً كان تحت إشراف وزير واحد أو تحت ثلاثة وزراء، فإن ذلك يدل على أهميته. يشار إلى أن يحيى بن سليمان، الذي كان ينتمي إلى حزب الاستقلال وكان يشغل مناصب دبلوماسية، كان من بين هؤلاء الوزراء.
ومع ذلك، كان لفترة تولي الغزاوي مسؤولياته الوزارية مدة قصيرة لم تتجاوز سنة وشهر واحد. وهذا يشير إلى أنه تم إبعاده عن الحكومة التي يترأسها الملك الراحل الحسن الثاني شخصيًا. تم تعيين محمد الزغاري وزيرًا للدولة، وأحمد العسكي وزيرًا للأشغال العمومية والمواصلات، وأحمد الطيبي بنهيمة، صهر محمد الغزاوي، وزيرًا للخارجية. هذا كان ضربة لنفوذ الغزاوي، الذي كان يعتبر رجلاً مرتبطًا بالسلطة والثروة. وظهر بعده آخرون يسلكون نفس المسار، على الرغم من اختلافهم في الأسلوب والانتماء.
ينتقل محمد الغزاوي من مجال الأمن والاستعلامات إلى إدارة المكتب الشريف للفوسفاط، ويأخذ معه بعض المساعدين. نجاح مشاريعه التجارية في ذلك الوقت يؤهله لإدارة هذا القطاع الحيوي. تذكر المغاربة تصريح زعيم سياسي حول توزيع عائدات الفوسفاط، وهو الوقت الذي كان فيه الغزاوي يدير المكتب. تم استخدام تلك التصريحات في الصراعات السياسية، ولكن سيتم تسليط الضوء على مسار العاملين في المكتب، حيث أصبح العديد منهم وزراء أو متنفذين في مجال المال والأعمال.
مع مرور الوقت، تغيرت الديناميكية وانتقل النفوذ من الوزارة إلى المكتب الشريف للفوسفاط أو بعض القطاعات شبه العمومية. ومع ذلك، يعتبر هذا مجرد استنساخ لتجارب سابقة عاشتها البلاد في السنوات الأولى للاستقلال.
ومع ذلك، يظل محمد الغزاوي في الخلفية، حيث ظهرت تجارات أخرى تتجاوز عالم السيارات والنقل العام. لا يزال مكتبه يحتفظ بأسراره، حيث يحاط بجدران مشابهة للثكنات العسكرية، على الرغم من أن الرجل كان مدنيًا.
عن موقع: فاس نيوز