مكناس/ محسن الأكرمين.
اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث غدقا نافعا، تدر به الضرع، وتنبت به الزرع، وتحيي به الأرض بعد موتها. هو الحنين إلى المطر، وطلبه بتوسل وخشوع في (الليالي) الجافة. هو الحنين إلى رفع الأكف سماء، والدعاء بالصوت الواحد (اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا نافعا غير ضار…).
دخلنا الأيام الأخيرة من الليالي (أربعينية الشتاء)، والسماء لم تمطر مطرا غدقا، مرت أيام الليالي البيض منها، وأيام الكوالح، وليالي الطوالح، وليالي السود، ولم نرزق مطرا ساقيا منبتا. تمر (أربعينية الشتاء) الليالي والمورد المائي السماوي لم يمطر بالكفاية اللازمة.
للموروث الشعبي حضور في الذاكرة التاريخية اللامادية. كانت بحق ممارسات ذات مرجعية دينية، وأخرى اجتماعية عرفية. فحين كان يشح المطر وتجف الأرض، يخرج الصبيان للأزقة وهم يرددون: (آسبولة عطشانة اسقيها يا مولانا… آفولة…)، نعم كانت تلكم البراءة المتحركة التي تخرج الأطفال، بلا بيانات إخبارية، ولا دعوات فيسبوكية. كان الأطفال ينخرطون بطواعية في حركة دائبة لدعوة الرحمان الرحيم رأفة بعباده و بهيمته. نعم كانت أمسيات يتوسل فيها الأطفال مجموعات للرب العلي بالمطر حد الكفاية والحاجة، وعند كل بوابات البيوت يتم رشهم، ورميهم بالماء من طرف النساء تيمنا بطلب سيولة السماء مطرا.
هي (الشتا… تا… تا) التي قلت، وجفت عندها الأرض جفافا مفزعا. هي (الشتا… تا… تا) التي قد تبرق في أي لحظة، وبأمر رباني. هي السبولة التي باتت عطشانة، ومطالب”اسقيها يا مولانا” بصلاة وخشوع. هي طقوس شعبية من الموروث الثقافي كانت تحرك الصغار والكبار لأجل طلب الغيث الرباني، وبطواعية وبلا تكليفات. فقد كانت لطقوس الاستمطار-(بلا تعديل الطقس بمواد كيميائية)- في فترات الجفاف. طقوس تتمحور حول استدرار المطر بالخنوع والتضرع. طقوس تتوزع وتختلف حسب المناطق المغربية، والوسط المعيش والإجتماعي
بين حمل الأطفال الأطباق الفارغة، ووضعها فوق الرؤوس. وبين الأناشيد والدعوات البسيطة، والابتهالات والشعارات بالعربية والدارجة والأمازيغية، والقيام بالسير نحو المنابع والأنهار توسلا. هي طقوس كانت عرفية بسيطة، وقد تمتزج بمعتقدات أخرى خارجة عن سياق الدين، لكنها تبقى عادية بالعادة، والعرف الاجتماعي كلما جفت الأرض، وانقطع صبيب السماء مطرا.
من بين الطقوس” تاغونجة” أي عروسة المطر الأمازيغية. عروسة من قصب وثوب بلباس نسائي. عروسة تقوم وقوفا على (المغرفة الخشبية) المصنوعة من خشب العرعار، ويتم الطواف بها عبر مسافات طويلة، والأرجل حافيات، والملابس (مقلوبة). فيما الأطفال فيكونون في مقدمة الموكب تيمنا بالبراءة، وبأن لا ذنب لهم في حكم جفاف الأرض.
كان في طقوس” تاغونجة” يتم ترديد مجموعة من (الشعارات) التي تطلب الغيث…” تاغنجة …تاغنجة… يا ربي تصب الشتا…”. ومن ملامح نهاية مطلب الغيث رمي” تاغنجة” في الماء عارية … وحين يجرفها السيل تعلو زغاريد النسوة… وبأن (النية كانت مقضية).
يا رب تصب الشتا…دعاء بسيط. يا ربي غيثا حتى يقطر بيتنا… يا ربي تجيب الشتا… السبولة عطشانة اسقيها يا مولانا… هي أناشيد بسيط مشحونة بعرف اجتماعي في تاريخ العادات المغربية. فيما صلاة الاستسقاء فهي الأصل الديني، والخروج إليها جماعات نحو المصليات لطلب الغيث، والتوسل بالأدعية الصحيحة، والله المستجيب (اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً طبقاً غدقاً نافعاً غير ضار رائباً غير عاجم تُدِر به الضرع وتنبت به الزرع وتحيي به الأرض بعد موتها…).