28 دجنبر 2021
المعتقل : عبد الوهاب الرماضي
التكنولوجيا في خدمة الإقصاء
ما حدث هذا العام خلال مباراة الولوج إلى سلك الدكتوراه بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، أقل ما يقال عنه أنه الفضيحة والإقصاء المقصود والمدروس بعد أن تمت رقمنة العملية بدءا من التسجيل القبلي مرورا بإعلان نتائج الإنتقاء الأولي وصولا إلى إعلان النتائج النهائية. ففي كل مرحلة كانت هناك تعقيدات غير مفهومة، خلفت ضحايا كثر، وبطرق مفضوحة تجعلنا نطرح آلاف علامات الإستفهام.
قبل ذلك من المعلوم حتى عند عموم الناس النقاش الإشكالي الكبير الذي يعرفه العالم حاليا، والمتعلق بمدى تأثير ثورة التكنولوجيات الجديدة (الحَوْسَبة السحابية، أنترنيت الأشياء، دفاتر الأستاذ الرقمية أو سلاسل الكتل، الذكاء الإصطناعي وذكاء الآلة…) على حياة الإنسان ومستقبله، بعد أن طرحت العديد من التحديات والإشكاليات العلمية والفلسفية والأخلاقية، نستحضر هنا قول العالم الكبير “ستيفن هوكينغ” سنة 2014 حين حذر من كون التطور السريع لذكاء الآلة معتبرا أنها إذا ما وصلت إلى مستويات من التطور تكون معها قادرة على تجديد نفسها بنفسها، آنذاك سيكون مستقبل البشرية على المحك.
في خضم هذا النقاش تبقى أحد المبررات أو الأسباب الأساسية المُشرعنة لإكتساح التكنولوجيات الجديدة لجميع مناحي حياة الإنسان الإقتصادية و الإجتماعية والسياسية وحتى الطبية ومنها المتعلقة بالهندسة الوراثية، هو كونها تُيسر حياة الإنسان وتسهل عليه قضاء حوائجه بأفضل الوسائل الممكنة، مع اقتصاد كبير في الوقت والجهد والمال، هذا الطرح تأكد بالملموس في ظروف جائحة كوفيد 19، بمعنى أن الشعار الرئيسي لأنصار هذا الطرح هو (التكنولوجيا في خدمة الإنسان)، ضدا على شركات الرأسمالية المتوحشة وأطماعها الربحية وضدا على الطبقات المُسيطرة ودولها الديكتاتورية الهمجية.
للأسف الشديد إن كان هذا الأمر (التكنولوجيا في خدمة الإنسان) قد أصبح بمثابة مسلمة حتى لدا عامة الناس نجد الآية معكوسة عندنا، ليس الإنسان هو من يتحكم في الآلة/البرنامج المعلوماتي/المنصة الرقمية بل إن هذه الأخيرة هي من تمتلك القول الفصل ولا يهم مجهودات الإنسان ونتائجه، والخطير هو أن نجد هذا في فضاء جامعي، يقال أن مهمته الأولى ورسالته الكبرى هي البحث العلمي والإسهام في إيجاد حلول لمعضلات الإنسان، حيث تحول الشعار السالف إلى نقيضه (التكنولوجيا في خدمة الإقصاء) بعد وُضِع برنامج معلوماتي موحد في صيغة منصة رقمية على صعيد الجامعة ككل -هي في الأصل مستوحاة من منصة كلية العلوم- دون مراعاة لخصوصيات المسالك والشعب خاصة تلك المتعلقة بالعلوم الإنسانية مما خلف جوا من الإرتباك والضبابية وعدم الوضوح، تم استغلاله بطرق مفضوحة لتمرير مخطط إقصائي بامتياز، بل أن حتى بعض الأساتذة لم يفهموا طريقة اشتغال المنصة وكانوا ضحية التدليس والإشعارات والرسائل الكاذبة التي توصلوا بها.
فبعد إقصاء المئات من الطلبة /ضحايا الرقمنة الجامعة الفاسية، الذين منهم من لم يتمكن حتى من التسجيل القبلي ومنهم من لم يتمكن من اجتياز المباراة بالرغم من توفره على الإستدعاء !!!؟، الآن العشرات من الطلبة ممن كانوا أشباه عدائي المسافات الطويلة ومسافات الحواجز ممن اجتازوا المباراة بنجاح، ومحاضر اللجان العلمية المختصة تثبث نجاحهم، سيفاجؤون برفض تسجيلهم من طرف فخامة المنصة الرقمية المكلفة بذلك، وفي غياب مخاطب بشري “وهو غياب مقصود” يبقى الضحايا في مواجهة برنامج معلوماتي أصم وأبكم.
يأتي هذا في سياق تعيش فيه الجامعة المغربية على إيقاع مسلسل من الفضائح المتوالية الذي يبدوا أن ناره سوف لن تتوقف مادام الهشيم متوفر بكثرة، فمن فضيحة الجنس مقابل النقاط بجامعة سطات إلى فضيحة توظيف (لا أحد) بجامعة مكناس إلى كوارث مباراة الدكتوراة بجامعة فاس، والأكيد أن المستقبل القريب سيكشف المزيد، “وقل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين”، وما على الجميع إلا أن يتحمل مسؤوليته. فبالموازاة مع مسلسل الفضائح المستشرية هناك مسلسل من المعارك النضالية للحركة الطلابية بقيادتها النهج الديمقراطي القاعدي دفاعا عن الحق المقدس لأبناء الشعب في التعليم ودفاعا عن حرمة الجامعة من كل أشكال التشويه والتدنيس.
ملاحظة : هذا المقال مقال رأي و هو لا يعبر عن رأي الجريدة