محسن الأكرمين.
تتساقط أرواح زكية من حي الزيتون، من حسن زهرات آخر خريف العمر، فقد لا يبعد متسع من الوقت بكثير حتى تسمع عن موت علامة من فقهاء الفقه الأصيل، وحملة القرآن بحي الزيتون. هي الموت التي نحملها على الأكتاف، وقد نحتفي بها زهوا، ونحن لا نعلم موعدها المحتوم. ليلة يوم الأحد انتقل إلى جوار ربه الأستاذ والمربي والفقيه الدعوي الحامل لكتاب الله المرحوم الحاج التهامي منيب، فألف دعوة له بالرحمة والقبول الطيب بجنة الفردوس.
ماذا أقول لكم عن المرحوم الفقيه الحاج التهامي منيب، هو ابن حينا الزيتون (بمفهوم أولاد القبيلة)، ونحن صغار السن تربينا على يديه الأدب وحسن التعامل، علما السباحة ومغامرة السفر والتخييم ، جمعنا في حلقات دعوية بمسجد الأبيض حول فقه العبادات والعقائد، علمنا أركان وفروض الصلاة والوضوء ببساطة، وابتسامة لا تفارق محياه، هو كان محامينا داخل المسجد حين كنا نحدث الشغب الطفولي، وشيوخ المسجد يريدون طردنا للبقاء على سكونية مكان التعبد، كنا نحتمي به وهو يسمع إلينا جميعا بدون تمييز ولا خلفيات، ويؤثث فينا مفهوم الحرية المسؤولة بلا مصطلحات حقوقية.
ماذا أقول لكم عن تهامي منيب افتقدناه حقيقة من ليلته الأولى بموته. لكن نقول الحمد لله، الله ما أعطى وما أخذ. هو ابن حي الزيتون أبا عن جد، هو ابن (خالتي منانة) رحمهم الله، والتي نذكرها جميعا لمن عاصرها وقبَّل يديها. امرأة لم يكرر التاريخ مثلها في حي الزيتون، حقيقة كانت (كاريزما) امرأة بامتياز الصفات والأفعال والسلوك.
كانت رحمها الله، امرأة تحمل أنفة وأدبا وسلوكا ومعرفة… امرأة كانت كل أبواب الحي (القبيلة) مفتوحة أمامها بالترحاب والقيام والجلسة التقليدية، امرأة بيتها بدرب بوقطيب كنا نستمتع فيه بليالي الذكر والأمداح الربانية ليلة ذكرى المولد النبوي، هي صور حاضرة من ذاكراتي صغري، ووشم حب خالتي منانة لازال حاضرا بالقلب إلى اليوم، ويتسع نحو خلفها من الأسرة.
خالتي منانة حين تمر (رحمها الله، بذاك العكاز الملتوي من شجرة الكركاع، كنا نتسابق ونحن نبحث عن رضاها، وشراء ابتساماتها بالترحاب، وننال هداياه البسيطة من كرم فواكه (العرسة)، كنا نضع أنفسنا رهن خدمتها لحمل (القراب)، كنا نأخذ بيدها مساعدة حتى تقطع ساقية الماء، كنا نصطف ولا نتركها تمر حتى نحمل معنا دعوات بركات من تقبيل يديها مشفوعة بدعاء (سيروا أوليداتي الله يفتح لكم الأبواب….).
أسرة آل منيب وآل القايد تشاركنا معهم الفرحة والحزن بالحي القبيلة، تشاركنا رابطة الدم العائلي بين الوالد (رحمة الله عليه) حين كان يحدثنا عن الأسرة والعلاقة الدموية مع خالتي منانة. اليوم دمعة لاصقة من حزن الموت على الفقيد الفقيه المتزن الحاج التهامي منيب، فعزاؤنا لساكنة حي الزيتون ولأصدقائه قاطبة لأنها خبرت الرجل، خبرت مكارم الأسرة الممتدة بالحي القبيلة. عزاؤنا بفيض الدعوات الصادقة لأسرته الصغيرة والكبيرة، لابنه البكر صديقي في الفصل الدراسي وإخوته وأخواته، لأخي وصديقي هشام القايد ولكل أسرته الصغيرة والكبيرة بالمملكة وببلاد المهجر. إلى أسرتي بحكم رابطة الدم والمشاركة القريبة في الحي (القبيلة) القديمة، إلى كل ساكنة مكناس ولكل معارفه بالمغرب وخارج أرض الوطن.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.