مــاسـتـر تحــالف الحضـــارات وحـــوار الديــانــات:
تجربة أكاديمية ورسالة إنسانية ريادية
بقلم: ندى ناجي
في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز، مدرسة النضال والكفاح، وحاضنة نخبة المفكرين والباحثين والمجددين، انطلقت مبادرة أكاديمية ذات بعد حضاري وإنساني وأخلاقي بقيادة الأستاذ الدكتور يونس لوليدي، متجلية في تكوين ماستر “تحالف الحضارات وحوار الديانات بين الفكر الغربي والفكر العربي الإسلامي” وهو نسخة حديثة عن ماستر سبقه تحت إشراف وتنسيق الدكتور لوليدي أيضا يحمل عنوان “حوار الثقافات في الثقافة العربية الإسلامية”. هذه المبادرة أتت استجابة لمتطلبات العصر، في محاولة لنشر الفكر النقدي وروح التعايش والتسامح وتقبل الاختلاف، في دعوة صريحة للحوار السلمي والتعارف الثقافي والديني، ونبذ التطرف وخطاب الكراهية، وهو ما يتماشى مع دعوات المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة من خلال لجنة تحالف الحضارات التي تم إحداثها سنة 2007م.
انطلق الماستر منفتحا على مختلف التخصصات الأدبية من مختلف اللغات (عربية، فرنسية، إنجليزية، إسبانية، ألمانية) والشعب (علوم الإعلام والتواصل والدراسات الإسلامية والفلسفة)، ليبني بعد ذلك جسرا معرفيا مع باقي الكليات من خلال انفتاحه على كليتي الشريعة والحقوق…وهو انفتاح لم يفرضه التوجه العام للماستر الداعي إلى التعرف على مختلف الآراء والتصورات والمشجع على روح المبادرة والبحث والتشارك الفكري والمعرفي فقط، وإنما فرضته أيضا طبيعة الماستر متعدد التخصصات، المنفتح على مختلف المجالات التي تلامس قضايا العصر ومن شأنها أن تلعب دورا في بناء جسر الحوار الحضاري، إذ يهتم بالبحث في مختلف التصورات حول فكرة التحالف نفسها، ليمر بعد ذلك إلى تدارس دور كل من الترجمة والفكر الفلسفي وحرية المعتقد والمواثيق الدولية في تشييد تحالف بين الثقافات وخلق حوار بين الأديان، وينتقل إلى التعرف على العلاقات الثقافية الرابطة بين المسلمين وكل من إسبانيا وألمانيا وأمريكا وتحليل العلاقات المغربية الفرنسية على الخصوص. وكما لم يغفل الماستر التعريف بالديانتين اليهودية والمسيحية والبحث في التراث الإسلامي، والعودة إلى فكرة المقدس والمدنس من خلال الأسطورة، فإنه لم يتانسى كذلك أن الأدب والفن هما مهد الحضارة والشاهد عليها.
هذا الغنى الفكري والمعرفي الذي يقترحه الماستر المرفوق بحس المسؤولية الذي يحمله كل من يتبنى المشروع من أساتذة الماستر وطلبتهم، حدا بهم فوجا بعد فوج إلى تجاوز قاعات الفصل نحو العمل على إيصال مشروعهم الفكري والإنساني لباقي الطلبة والباحثين من خلال ندوات وأيام دراسية داخل الجامعة، وسرعان ما شجعهم تفاعل الوسط الثقافي معهم إلى الخروج من أسوار الجامعة تحت إشراف أساتذتهم الأفاضل وعلى رأسهم مايسترو الماستر الأستاذ الدكتور يونس لوليدي.
الماستر برسالته الأخلاقية النبيلة وبأساتذته الأجلاء الذين قدموا خير نموذج لطلبتهم، خلق أجيالا ممن يحملون المشعل ويكملون الطريق، مؤمنين برسالة التعايش التي رسمها لهم الدكتور يونس لوليدي بخلقه لهذه المبادرة وتأطيره للشق المفاهيمي والشق المتعلق بكل من الأسطورة والمقدس والتراث الإسلامي، كيف لا وهو الجامع بين فن المسرح والتخصص في الميثولوجيا وتجديد الخطاب الديني. هذا فضلا عن تثمين إدارة الكلية لهذه المبادرة الرائدة عبر انخراط كل من الأستاذ الدكتور خالد لزعر عميد الكلية في تكوين طلبة الماستر من خلال مادة “أنا والآخر: من الصراع إلى التعايش”، والأستاذ الدكتور محمد مبتسم، نائب العميد ورئيس شعبة الدراسات الإنجليزية سابقا، من خلال تعريفه بالأدب الإنجليزي وحضور الإسلام والمسلمين فيه. ولإنجاح المبادرة كان لابد من مساهمة أسماء وازنة من مختلف الميادين والتخصصات، حيث ساهم الدكتور محمد أمنصور من خلال لمساته الإبداعية الجمالية، والدكتور إدريس الذهبي بدقته وإحاطته بالمواثيق الدولية، والدكتورة بشرى أقليش خريجة النسخة الأولى للماستر والداعية إلى احترام الاختلاف وحرية المعتقد، والدكتور عبد العزيز اليعقوبي من الدراسات الإسلامية، رمز التدين المعتدل السمح في تعريفه بالديانة المسيحية. الخ….
المشروع النبيل للماستر، والتكوين الجاد متكامل الأبعاد الذي يقدمه أساتذته الذين يعتبرون من خيرة ما جادت به الجامعة المغربية، إلى جانب التزام طلبته بتبني مشروعه والعمل مع أساتذتهم، في جو من الاحترام المتبادل والقيم الأخلاقية العالية، كلها عوامل أوصلت صدى ماستر تحالف الحضارات وحوار الديانات إلى خارج أسوار جامعة سيدي محمد بن عبد الله، وخارج مدينة فاس، بل وخارج التراب الوطني، وهو ما يفسر طلبات التحاق الطلبة الأجانب المتزايدة. وبذلك فقد عبر ماستر تحالف الحضارات وحوار الديانات، من مرحلة التعدد اللغوي والمعرفي والثقافي إلى ما بعدها، ليصبح ماسترا متعدد الجنسيات –منها روسيا وماليزيا والتايلاند وقطر وإندونيسيا وجزر القمر واليمن وساحل العاج وغينيا بيساو والسينغال والنيجر….- عبر الأفواج الأربعة السابقة، والأفواج الثلاثة اللاحقة، حيث ستنطلق عملية تسجيل الفوج الخامس على التوالي في الموسم الجامعي 2022-2021