بقلم/ محسن الأكرمين.
ملعونة كل الكتابات التي لا تقتحم مناطق الظل الباردة والبحث عن الحرية والكرامة والعدل. ملعونة كل الكتابات التي لا تحمل أسلحة مقاومة أشكال الفساد والتفاهة والتغرير والتسويف. ملعونة كل الكتابات التي لا تفزع عش الدبابير بنار التنوير والتجديد. لن تغنينا كل الكتابات نفعا إن لم تسعنا بوابة العيش المشترك والسعيد في حضن تأمين السلام والإصلاحات المواكبة. قد لا نصل إلى التحديث المتكامل بتلك العقلانية العمودية بالنقد والتوجيه، ولكنا في نفس الصفحة يجب الإبقاء على السيرة التاريخية للوطن والمجتمع حاضرة، وتأصيلها بالتداول الرمزي والنفعي.
حقيقة متزاحمة بالتراكم، فكم استهلك المجتمع توابل التنوير المرن و إنشاء محاولات قتل رسوبيات الماضي، لكنا بالمقابل بقينا أوفياء لقيم من الثقافة والإرث الشعبي، وبقي العرف الاجتماعي مزدهرا. بقينا نلعب الكر والفر مع كل التصورات الفلسفية، من منظور وضعياتنا المشكلة ونحن نبحت عن حلول لتعليمات لاصقة لتحديد أجوبة عن (من نحن؟ ومن هو الآخر؟)، وكانت الخيبة رسوبنا عن استنباط كل الأجوبة الإخبارية النهائية، فأصبحنا (نحن) لا نحسن مشية الطاووس، ولا حتى علم غراب (قابيل وهابيل).
لم يعد أحادي المعرفة ولا أقصد اللغة فقط متمكنا، بل بات البحث عن التنويع الثقافي مشروعا لتشكيل الهويات المشتركة وسد فجوات الهويات الفردانية المجحفة. فمن الأكيد أن البحث عن الملاءمة الاجتماعية والكونية أصبح بحث مضني، ولم نحفل بنجاح قطف ثماره الموالية وغير الباكورية. ومن نوافل التأكيد أن يبقى التفكير المتحرك على بركة الخوف من النار يحتفي بالرمزية التقليدية في القادم من الحياة، دون التفكير في نواعم السعادة والسلام بالكلية. فمن الأكيد أننا نفكر في السعادة مثل رؤية قبلة البطل للبطلة الجميلة في نهاية فيلم الحياة، ولا نفكر في تحقيق السلام الداخلي والاجتماعي بذاك الوازع المنطقي والمنسق نحو سعادة الحياة. لنقعد قولا: فحين تفسد السياسة العامة للدولة ومكوناتها الحزبية، قد تفسد المؤشرات الكبرى البنائية لزوما، ويصبح المستقبل متقلبا بالتوتر من هنا فاعلم أن العيش المشترك لن يكون سويا في الغايات والموجهات، بل في إنشاء مخفضات للصدامات غير المحسوبة ولا المقدور على ضبط أثرها المظلم.
كم كان فصاحة الحمار مضمرة حين قال: بصيغة المطالبة بمقاربة الإنصاف في الأكل والمشرب والنوم مع نوع جنس الجمل، فحين بقيت تلك الحصيرة الخفيفة فردانية لانطلاقة رحلة التغيير، صاح الحمار حكمة (زيدها ما نايضش اليوم). هو التمثل الكافي بين رؤية الحمار و صمت الجمل حين حملنا الديمقراطية ما لا تطيق من كمّ التعليق على مشجبها. حين أغفلنا سلطة الحكامة الحاسمة في التخطيط والمتابعة والضبط، حين بتنا نصنف القوم بالتمايز والتفاضل فمنهم (الذهب الخالص) لمن يوافقنا الرأي ويقول دوما (نعم) بلا نقاش ولا جدال ولا مطالب لأنه أصلا مستفيد من (ريع السياسة حلال) .حين صنفنا المعارضين والناقمين على الوضعيات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية باسم (الحديد المصدي). حين بات أصحاب الأعراف والوسط، من الذين يجمعون حسنة (الذهب المشحر) من السلطة، و رمز (الحديد المصدي) عند من نصبوهم من الشعب للترافع عنهم. هم إذا، فصائل من قوم متغير البنية (النحاس المصقول) والشبيه بالذئب الذي (يبكي مع الراعي) حين ضاعت أغنامه، وهم من (أكل غنم الراعي) خفية واستغل سياسة (الريع حلال) .
تسقط منا الحكمة لزوما، حين بات القوم خليطا غير متجانس من المعادن والكائنات المتحركة بلا غايات. تسقط الحكمة، ومن بابها تسقط لعبة الديمقراطية التي لم يقدر تعبير الحمار (الإنصاف والمناصفة) على حمل حصير كان شبيها بزريبة (علي بابا)، والتي كانت ستطير به تقدما في المساواة ومقاربة النوع.
اليوم بات الفعل السياسي والثقافي من الخطابات التي لا تصنع السعادة ولا السلام عموما. بات فرح السعادة من الصعب أن تجسدها أية كوميديا مسرحية. بات الحب مجحفا ، وبدا الحزن بديلا عن رمز التفاؤل في أحلام التغيير والتجديد. بات تضاد الأمزجة العكرة طاغيا في ظل الحظر الصحي المتناسل، وإفراغ الروح الدينية من الممارسة العقدية الجماعية. بات الفرد يمشي وهو يفكر بجسده كأنه جثة متحركة بلا عقل، وهو لا يعلم أفق الانفراج.