لن نغوص في جحر الأرانب خوفا …
محسن الأكرمين (رواية: ويلات ذاكرة حالمة).
بهذه العبارة تختم تيللي قولها ” الأرض لنا بماضيها وحلم آتيها… “. لم تكن بقولها النهائي سوى أنها تبحث عن معنى حقيقي للحرية والكرامة والعدل. هي تعرف أن الطير حين يرفض التغريد وإطعام القفص، يصطدم مع حافة القفص الداخلية بحماقة، وقد يكسر جناحيه لأجل رفض التحكم، ومنح العيش التفاوضية.
في الزاوية الغائرة من المنحدر تلتقي تيللي بإيثري، وقد تخففا من انفعالات نقاشات مقاسات الحرية في فسحة مسجد ذلك الحي غير النائي بالبعد عن المدينة. كان يبدو إيثري من بعيد أن رأسه يظل عاليا بشموخ أهل جبل المقدمة، وحتى إن أفاض في خفضه وضمه، يبدو أن ظله يبقى شاهقا ومنتصب القامة. لكن، صورة الكفر المحلل للعنف ضد حرية التعبير والتظاهر في مملكة الفوارق الاجتماعية، لازلت عالقة في الجزء الأكبر من ذاكرتهما، ولا زال العنف يمارس تحت تبريرات قانونية.
في تلك الوقفة المتساوية الأطراف، ينطق إيثري بأنه يريد مقابلة فتاة تحمل رمز الحرية بلا قيود، وأشار بيده اليمنى نحو قلب نبضاته. فتاة أكد إيثري أنها تسكن عرش قلبه بلا منازع، ولا ثورة مهيجة ضد الحب، ولا مجارف الحسية الوضيعة. حينها ابتسمت تيللي وقالت : أن الحب تيمة وجدانية تميز الإنسان عن الآلة بالتفاضل، وأن التجربة الإنسانية تفيض بقصص الحب. لكني، تقول تيللي: ” أريد ألا أكون مثل قانون الفيزياء التي يحتم لزوما أن التصادم لا بد أن يترك آثارا جانبية تتوزع بعدم التساوي بين الذات والآخر، تسرني رؤية دوما يا إيثري، إلى متى سنبقى هكذا؟ فكل ما علي فعله هو الانتظار !!! إلى متى إيثري؟”.
في زاوية المنحدر الغائر، تشير لوحة التشوير “خطر في طرفي المنحدر، ومكر الحياة في مسلك الوسط”. من هنا ينقل إيثري الحديث من رغبات الذات، ومن دفء حضن الحبيبة، ويعلن أن كل حراك لنيل فيض الحرية والعدل ميت إن هو عقد اتفاقا مع الشيطان المارق المتحور نحو إفساد المطالب وتسويف التمطيط، إن ركب الفوضويون على استغلاله بأبشع استغلال . وتساءل إيثري: ” من هنا من هو الصياد؟ و من هي السمكة التي توازي حجم الحرية؟” .
يقول إيثري:” نرى كل شيء بعين اليقين الحسابي. لكن، لا نرى ما نبحث عنه باستشراف حلم المستقبل !!! إنها الحسابات الضيقة وغير السليمة بنتيجة المخرجات، والتي قد تجعل من لعبة الشطرنج أغبى لعبة نمارسها ونحن نتطلع بأنها توصلنا دوما إلى أن الشاه هو الغالب ولن يكون هو المغلوب. لعبة تجعلنا نخسر فيها قوة الفيل أمام رمزية الشاه الخشبي”. هي لعبة المطالب في بدايتها تغرينا بأن الفيل منتصر، لكن التاريخ وثق أن “فيل أبرهة الحبشي أخفق ممانعة في هدم وتدمير كعبة رمز التحرر البشري”.
فيما تيللي ترى في جوابها “أن صياد اليأس يفشل عند أولى محاولة الإمساك عن حوت الحرية البيضاء، وأن جميع دول العالم يتحدثون عن السلام، لكنهم يجهزون جيوشهم للحرب، إنه التناقض بين الأفعال و الأقوال !!!”. تقول تيللي:” لا أرى حلا أفضل من هذا لنيل الحرية المسؤولة بلا تعنيف رمزي ولا معنوي ولا فيزيائي من الأحذية السوداء، لن نغوص في حفرة الأرانب هربا من الخوف مثل بطلة رواية (أليس في بلاد العجائب)…”.
قد لا يصعب عليك فهم مقاصدي الكلية يا إيثري، ولا أظن أنك خسرت أهم حجر فكر ماسي لديك، ففي أعماق العقل الباطني تكمن نزعة للنزاع دائما بين الخير والشر. انتبه !!! مما تصطاده في أعماق تلك المياه الهاذرة والمزبدة ، قد تكون النتيجة سلبية للغاية حتما. أتظن أنك بوحدك القادر على تحريك لعبة فيل التدمير وشاه الموت؟ أود رؤيتك مجددا ومجددا، بحيث لا أشعر أني معك أغرق، أو أبحث أن أغوص في حفرة الأرانب هربا من ذات الخوف. علينا إيثري:” أن نلزم الحذر في مطالب الحرية السلمية، والسلم الاجتماعي”، هي بضع كلمات تبقى لسرد ما تبقى من رواية “ويلات ذاكرة حالمة”.