النسيان البئيس…
محسن الأكرمين.
قد يكذب كل المنجمون الجدد إن أجمعوا رأيهم أن الذكريات لا تشدنا بالحزن عمّا مضى. قد نختلف في موازنة الذكريات وتصنيفها بين السعيدة وبين ما تحمل من آثار خادشة على الذات والنفس. قد صدق الشعراء القدماء حينما كانت مطالع قصائدهم وقوفا عند الأطلال، وذكر أحبة الذكريات في الديار والأمكنة، وفي عمق حب القلوب المتقد.
حقيقة لن أتخلص من الذكريات ومن ألمها الموضعي المتحكم في روحي، فالذكريات تلتصق بالذات وتبقى تحفر في مشاعرنا الداخلية بالنبش وتقليب المواجع والألــم. تبقى ذكريات من غادر الميدان في زيه الحربي تجيء و تؤدي مهما ارتحلت الأيام بتوالي الحساب والدفع، فقد ذهب حرا مطمئنا على بساط أخضر، مزهرا في ربيع الأزاهير… تبقى وقفة على رأس رمسه تعصر القلب حرقة، وتسيل دمعات الفقد المؤلمة. هو ضعف غضبي من الحياة التي لم تسعفني فرحا ممتدا بمواليد زهراته الباسمة، هو الضعف العتيق من خلف أبواب القلب الهش تبقى حاضرة مهما تكهن المنجمون بقول: أن النسيان قد ينسيني رائحته.
مؤلمة أنت الحياة بذكرياتك المرة وبالترادف التكهني وغير المنطقي، ولكني أبقى راضيا ومفتقدا من غادر بيتي بلا موعد، و لم يغادر قلبي بتاتا.
زمن الذكرىات بحلاوتها ومرارتها تتآلف بالشد الموجع والفاضح، ويبقى الأروع مبك والمفرح بصيغة الهلوسة مؤلم. فحين أحن لطفا أرى روحه الندية باقية بقلبي وتغزو نفسي وهي تلهو بين مشاعري، ألحظه أنه يلعب ويبتسم بصدق ويناديني (وا…)، حينها تكتنفني تلك السعادة الواهية والواهمة، ولا أتحصل منها ملمسا في واقع الحال بين يدي، لحظتها المفزعة أجده أنه تسرب في غفلة مني.
لن تنضب ذكرياتي عنه مهما حييت، لم ينته حضوره اليومي عندي بالنسيان فهو بالضبط لن تترسب أيادي النسيان أو أن تنال منه، أو أن تطال ملمحه المشرق في عيوني.
لن أكذب على مشاعري الرخوة بالمواجع فقد يصاحبني البكاء ثم الضحك من ذكر الذكريات ومن طفولة الغابات الساحرات، من طفولة قمر ماضية تصالحت مع الظل ولفت الأشجار نورا مهما تكاثفت، ومن شاب لن يقدر النسيان أن ينساه….