في الطــــــــريق إلى نزالة… مكناس.
محسن الأكرمين.
اليوم أحسست ألما حين غادرت قلب المدينة المنسية، كنت أسير تحت ظل الماضي الخافت، أسير محاذيا لذاك السور الذي يرفع أنفة مدينة قد تمرغت في وحل تنمية التجديد. كان في السماء القريبة غيمة غير متكدسة، ولا حتى مترجلة بالسير الحثيث تباعا، كانت تبدو مبللة بماء غير مطير ولا ناضج، كانت تلك الغيمة حقيقة غير متجلية في الحاضر.
في منتصف الطريق المحدودة السرعة أحسست أن إمكاناتي تحاول أن تتجمع في قوة موحدة ، وتدفعني أماما. كنت أسمع دواخلي تردد “لا عليك سر برفق، ولن تطاردك أشباح الظل”. في نقطة التوقف الإجباري، هنالك أحدية سوداء بزي رسمي أنيق، لم أعر المشهد نظرة التمعن ولا خيفة، بل استلمت لتلك العلامات المشفرة بحدود ” قف” مراقبة. حينها أدركت أن الوقوف يمكن أن يكون انتصارا للقانون، ولا لزي التخويف بالغرامات. لكنـي شاهدت من الغيمة الفريدة التي تتبعني أنها لم تتوقف عند علامة “قف”، بل أن دمعها بات جدولا رقيقا من ماء الجبل النازل على براريك السفح.
بجوانب الطريق كنت أبحث عن الوطن. كان حقا بحثا عن صورة مثقلة بالتباينات الاجتماعية الفاضحة. كانت الصورة في حد مشاهدتها السريعة دالة في تشوهاتها بين طبيعة الجبل الأخضر وقلعة القصدير البائس. كانت الصورة وصفا صادقا عن مملكة الفوارق الاجتماعية.
هي ناطحات أرض من الطين المثقل بالقصدير. صور تجمع بشري متداخلة حد تشويه رؤية الجبل الشامخ.
قبالة ذاك البيت الجانبي أطفال ومتنوع من الساكنة تظهر عليهم علامات الفقر والتمزق. يبدو أنهم يعيشون التحلل من آمال حلم المستقبل. يعيشون من دخان تقاسم التبنيج الموضعي. يعيشون أخطاء الدولة والسياسة والمجتمع. يعيشون أخطاء الجميع بلا استثناء الأداة.
في العيون المنتكسة والشاحبة، تجد أن القوم مثل الغرباء في المكان والزمان. تلمحهم، وهم من شدة أزمة الحياة ينظرون في الاتجاه الآخر غير آبهين بمن يتحرك بينهم من غرباء سياحة الطريق وأخذ صورة قفة دعم موسمي. كنت حينها أحس أني لا أقوى الدوس على نابض البنزين، كنت لحظتها أسير راكبا ولكن بمهل في عيون أهل وطني.
من وراء حجاب زجاج السيارة، تذكرت أفلام الفقر الاشتراكية ونادي السينما “أمبير”. تخيلت السياسي في حملته الانتخابية، وهو يوسع من كلام الأمل غير المنجز. تخيلته وهو يوزع ابتساماته غير السارة ولا البريئة. تمعنته يفكك النقد ويبني حلولا سياسية لتك المشاكل المفزعة بقدم الجبل. تخيلته ألا يعود إلى دوار سفح الجبل عند ربحه لأصوات الفقر والتفكك الاجتماعي.
فما أسوأ ! تلك المسكنات التي يمارسها الخطاب السياسي منذ الاستقلال. ما أسوأ ! السنوات الضائعة من أحلام شعب في نهب خيراته واستنزاف أصوات الناخبين للعيش من السياسة. ما أسوأ! ضعف المسكنات المنومة والنماذج التنموية المتلاحقة بصناعة الريع (حلال) ولوبي الفساد. ما أسوأ ! شعب يحارب الفساد ويصوت للفساد. ما أسوأ ! تلك الوجوه البدائل غير المتمكنة من أن تكون من أبناء سفح الجبل المنسي.
منذ الصغر وأنا أرفض تناول وجبة بقايا طعام تمت إعادة تسخينه لاحقا. تذكرت حكمتها وشبهتها مثل السياسة التي لا يمكن أن تكون دائما وجبة شهية وممتلئة بالتمكين التنموي، فما دمنا نقوم بتسخين (بندير) الحملات مسبقا بالتسويق لوجوه قد أينعت!.
إنه الحزن الدفين الذي ينزل من دمع تلك الغمامة المطيرة على قمة الجبل، إنه ماء السماء الذي يفيض على دوار الجبل وقد يخلصه من كل ملوثات المكان إلا من فساد المارق السياسي المتحور. إنها حكاية جولة البحث عن وظيفة عيش رهانات التمكين والتشديد خنقا على مربع الفساد والريع (حلال)، وإلا سيبقى طعام سياستنا “وجبة بقايا الطعام التي تم إعادة تسخينها بلا توابل جديدة”.