محسن الأكرمين.
دخلت ثانوية ابن الرومي التأهيلية بحي الزيتون فانتابني شعور وفي للمكان، وأرجعني الزمن صغيرا عمريا. شاهدت عيوني تستوحي ذكريات المكان والفصول الدراسية، لاحظت أن المكان لا زال وفيا لنا ويوثق كل صغيرة وكبيرة عنا في ممرات الحياة داخل مدرستنا الحلوة. حينها حضرت وأنا صغير السن بسن الالتحاق بمدرسة الجبابرة بحي الزيتون، استحضرت تواجدي بين صفوف التلاميذ وأوامر المعلمين وحارس المدرسة (أبا محمد) رحمه الله، استحضرت خوفنا الطفولي ونحن فرادى وجماعات داخل ساحة المدرسة نتعرض للفرز والتوزيع.
اليوم باتت الساحة صغيرة الاتساع، في حين كانت تبدو كبيرة المساحة في صغرنا وتضمنا جميعا (54 في الفصل الدراسي). وقفت عند أول قسم درست فيه عند المعلم سي (المريقي) أطال الله في عمره، تذكرت حين سألني ما اسمك؟ كنت حينها لا أتقن فصل النطق بين الكاف والهمزة وقلت له (الأقرمين)، بقي معي بحسن استماعه وإنصاته ما يزيد عن تعداد اليد الواحدة من الدقائق إلى أن تبين القصد حينها وثق في سجل الدخول اسمي العائلي (الأكرمين)، ومن حسن الذكريات أنه لازال يذكرني بالأمر ويضحك من نطقي وأنا صغير السن.
اليوم دخلنا مدرستنا الجبابرة، مدرسة (القبيلة) كما كنا نصطلح على تسميتها بحي الزيتون، دخلت رفقة ابن الحومة هشام القايد ومصطفى الحطاط ، كان الأمر من دعوة كريمة من السيد المهدي محبوب (رئيس جمعية الآباء لثانوية ابن الرومي) لحضور حفل رمزي لتكريم وجوه أبلت البلاء الحسن في تدبير أمر الجائحة والتقليص من مرتدات (كوفيد 19) السلبية ، دخلنا ونحن نتحدث عن الذكريات التي تجيء بالحسن والأثر، ولما حتى البسمة الطافحة بأعيننا. تحدثنا عن كل المعلمين منهم من قضى نحبه وأرسلنا له دعوات الرحمة، ومنهم من لازلنا نقبل يده ورأسه احتراما وتقديرا لهم. صعدنا لكل الأمكنة وضحكنا من كثرة شيطنتها من الانزلاق على زاوية السلاليم الخشبية، تذكرنا المدير بأناقته وصرامته سي (ميلود ) رحمة الله عليه ذاك الاتحادي العضوي، تذكرنا كم كانت مدرستنا تحمل موارد بشرية ومرافق متكاملة.
كان المستوصف المدرسي وبه ممرضا (سي حميد)، كان معلم الفلاحة والبستان المدرسي، كان معلم الأنشطة الفنية واليدوية (النجارة/ الجبس…)، كان من يتخصص بالمسرح…إنها الذكريات التي تنفر منّا كلّما عاينا نكوص المؤسسات المدرسية في زمن التنمية والتطوير.
مدرسة الحلوة التي باتت ثانوية تأهيلية، وهي لازالت حاضرة في المكان والنفوس بأنها مدرسة الجبابرة، كان حديثنا محفزا، لما لا نوسع الدائرة ونشتغل على ائتلاف يحمل أسماء من درس بمدرسة الجبابرة وجابر بن حيان الإعدادية؟ لما لا نقوم بخطوات إلى الوراء لأجل الاحتفاء بالحاضر واستحضار التاريخ الماضي؟ كانت الفكرة جميلة وتلقت استحسانا، وقررنا بعد انتهاء حفل التكريم أن نشتغل عليها.
هي مدرستنا الحلوة التي طالما لهونا بساحتها، ودرسنا بأقسامها، هي مدرستنا الحلوة الجبابرة التي حقا قد تخرج منها من نسميهم تجاوزا (جبابرة) في مراكز اشتغالهم. فشكرا للدعوة الكريمة ولكل أطر ثانوية ابن الرومي التأهيلية، ونأمل وفاء لمدرستنا الجبابرة أن تتبلور الفكرة في مولود جديد يحتفي بمن درس بمدرسة الجبابرة وكذا بتطوير المكان والأداء، تحية تقديرية بالوقوف والاحترام إلى السيد رئيس جمعية الآباء ومكتبه التنفيذي على مجهوداتهم الرامية إلى الرفع من جودة التعلمات والأداء، وجعل الثانوية رافعة أساسية للجاذبية والجودة التعليمية.