محسن الأكرمين
قد نكون من عديمي الحس والتمييز إن نحن لم نواكب عمليات التثمين و الحفاظ على الموروث العمراني والثقافي لمدينة مكناس. قد نكون من خارج سرب الوفاء لتاريخ المدينة إن نحن لم نحتف بترصيد كل المجهودات السائرة نحو تأهيل وإحياء تاريخ مكناس بفخر الشواهد العمرانية والثقافية والإنسانية. قد تكون لدينا عدة ملاحظات، لكنها لا ولن تلحق بنقد جوهر عمليات الإحياء والحفاظ والتأهيل وتثمين الموروث التاريخي، وقد تبقى تلك الملاحظات داعمة أصلا و مستمدة لأجل التجاوز والتدخل والتصويب التعديلي.
قد نلاحظ أن المدينة العتيقة باتت ورشا مفتوحا بمجموع متدخلين بالتنوع والاختصاصات، وباتت حفرها تشكل حواجز مقلقة للساكنة، قد تكون تلك الأشغال بدون تنسيق مسبق يحدد أفق البداية والانتهاء، قد نلحظ تلك الرؤية الأحادية في معالجة الشق العمراني بالمدينة العتيقة من خلال التركيز على أبنية عمرانية بعينها دون رؤية شمولية تهيكل الفضاء بمجموعه، قد نتوقف عند مجموعة من المعالم التاريخية التي لا تزال تنظر التفاتة إعادة الإحياء، قد نقول بفشل تلك المقاربات القديمة التي كانت تستهدف إنقاذ الدور الآيلة للسقوط بالمدينة العتيقة.
حين نتحدث عن المدارات السياحية الجديدة بمكناس، فإننا لا نستشرف أن نستقي نفس تجارب المدن التي سبقتنا في مجال التثمين والتأهيل، بل نطمح إلى التفرد داخل بمكناس وتحديث التصورات الملائمة لصناعة مدينة ذكية تفكر حتى في الالتقائية بين المدينة العتيقة والتهيئة الحضرية، نطمح إلى جعل مكناس هي النسخة التي تقتفي المدن التاريخية سكة أثرها في التأهيل والرؤية الاستشرافية في عمليات التثمين وإعادة الاعتبار، قد نطمح تميز مكناس في التخطيط والابتكار، والعودة بقوة نحو مصاف مدن الحظوة، في هندسة مسارات سياحية متنوعة الغايات والأهداف، مسارات تحمل أسماء ثابتة مثلا: المدار السياحي البيئي: الحبول ،باب بوعماير، السلاوية،غابة الشباب… المدار الثاني، السياحي الرياضي: صهريج سواني، أسراك، الشريشة، ساحة لالة عودة…، قصر المنصور… المسار الثالث، وهو المدار السياحي الثقافي والحرفي التقليدي: وسط المدينة العتيقة ،المزارات الروحية ،الدار الكبيرة بحمولتها التاريخية…
هي اقتراحات نعترف بأنها يمكن أن تكون متأخرة عن إنجازات الواقع الأرضي الإحيائي، لكنا يمكن الاستدراك ولو في البرامج التكميلية الممكنة، يمكن أن نلاحظ أن هنالك تباعد بين المواقع التي تستهدف بالإحياء والتأهيل، تباعد يجعل من الزائر يلحظ مدى الغبن الذي أصاب مواقع بعينها، حين نجد أن باب القصدير يتم تأهيله وقد يتم إغفال ما يحيط من أسوار باتجاه برج (بيبي عيشى) و (باب كبيش) وصولا إلى (قصر المنصور)…، نجد بونا شاسعا بين (باب بني امحمد) و (برج باب بلقاري) حيث مقطع من السور لم ينل دوره في التأهيل والتصويب، نجد أننا نشتغل على إحياء الموروث العمراني التاريخي دون كشف مفاتن المواقع التاريخية للزائرين بكل أريحية وتنسيق تام مع التهيئة الحضرية.
المشكلة الأساس أن رؤية تجميع تأهيل الموروث العمراني لم تحظ بالأولوية فباتت المدينة لا تحفل بنظرة شمولية، بل بات التباعد غير المنسق حقيقة يرجى تغطيته في البرامج التكميلية اللاحقة.
لنعد إلى الأشغال التي لازالت لم تتجاوز حدود النصف في بعض المواقع، وأخرى تسير بالبطء التام ، لنعد إليها وما تشكله من إكراهات على الساكنة كليا من جوانب السير والجولان و(الصبر) قد نفذ، لنعد إليها ونحن في بحر سنة 2021 ستفتح مكناس أوراشا أخرى وقد لا نقدر البتة على مراقبة ومواكبة التأهيل بالجودة التامة، لنعد إلى تفعيل اللجنة الإقليمية للسير والجولان لأجل التفكير في حلول إجرائية والحد من الاكتظاظ الذي بات مشكلة تعيق حركة السير، لنعد إلى وضع خريطة استشرافية للتأهيل كليا، والبرامج التكميلية الممكنة بترتيب الأولويات وبناء الالتقائية بين المواقع التاريخية .