محسن الأكرمين
حين نتعرض للعمليات الانتخابية بالتقويم، فإن الجميع يلقي اللوم الأشد على ظاهرة العزوف السياسي بشقيه، يلقي اللوم على الذين يوجدون خارج تسجيلات اللوائح الانتخابية،أوالعزوف عن أداء الواجب في معزل الاختيار. هنا يبيت الناخب هو مرمى الهدف غير المسجل في سجل الديمقراطية الهاوية. فمن الخطأ الكبير حين نقفز عند الأسباب التي صنعت العزوف عن السياسة، ولا نقف نوعيا لنحصي مرتدات تلك الأسباب بتمامها لأجل الضبط والتصويب قبل دخول أي لعبة سياسية قادمة.
إنها حقا اختلالات أعمق في عمق اللعبة السياسية المغربية منذ النشأة الأولى ولا يقع وزرها على الناخب فقط، إنه التفكير الذي بقى يلهينا في متسع مناقشة حكم القاضي على السارق بالسجن المؤبد دون بحث في أسباب وعمق تفاقم “غول”الفساد، وإفساد السياسة وتمييع أدائها ، والاغتناء بلا حق من السياسة. نعم، لن تنفعنا كل المسكنات التي تناقش الأعراض ونسب المشاركة دون إعطاء الأسبقية لتحييد كل الأسباب الكامنة وراء نكوص العمليات الانتخابية في أداء مهامها الدستورية البعدية وحتى القبلية منها.
من الأول، علينا التفكير في الأسباب التي تقض مضجع الاستحقاقات الانتخابية والتي لا يجهلها أحد ، من الأول يجب أن نفطن إلى الاختلال بين عدد البالغين سن التصويت المحدد في 18 عاما (26 مليون شخص)، وبين عدد المغاربة المسجلين في اللوائح الانتخابية إلى غاية 31 مارس الماضي(15.325.811 شخصا) وإلى من له نية الحضور إلى المعزل الانتخابي.
هنا، لن نرجح كفة العزوف السياسي إلى المواطن، دون الرجوع إلى الحقوق الأساسية لهذا المواطن في النص الدستوري (حق الصحة/التعليم/الشغل/ الرعاية التضامنية…). هنا، نوفّي كفة الأحزاب اتساعا ونحمل المسؤولية الكاملة للنخب السياسية النفعية التي تغرر بالناخب غير ما مرة. هنا، نقف أن محورية الرحى تدور على قوة الناخب الاختيارية ولا يستنفع (المواطن) من التنمية إلا ما قلّ منها وما تفعله الدولة.هنا، نقف أن صوت المواطن يصبح (غير مجد) مادامت التكتلات الانتخابية آتية و مضمرة وبلا أخلاق سياسية. هنا، نقف عند ثمار تخويف المواطن من العمل السياسي (ماضيا) والهوة التي باتت سحيقة بينه وبين العمل السياسي. هنا، نقف عن مدى تمييع الحقل السياسي حتى بات يُحملُ على الريع، و دخول الانتخابات بحلم الاغتناء السريع.
فإذا كان الهدف الأساسي في استرجاع ثقة الناخب في الممارسة السياسية هو الرفع من نسبة المشاركة في الانتخابات، فإني أقول:” لا زلنا ندبر انتخاباتنا بعقلية (1956) وبنفس الخطابات التي أفرزت العزوف عن السياسة، لا زلنا نركب على البهرجة الديمقراطية في الأعداد والنسب واللعبة برمتها يشوبها القنوط والتنويم، لا زالت تلك الأحزاب المتنافسة والراغبة في استغلال أصوات الناخب لملء الكراسي فقط حاضرة ولم تغير من جلد نخبها وقوانينها، لازالت تلك الأحزاب بعينها لا تسودها الديمقراطية الداخلية، وأصبحت مثل شركات (الكارتل ) في تقسيم الدوائر وإدارة الانتخابات “.
التسجيل في اللوائح الانتخابية ليس محصورا إلزاما عند بوابة السلطات العمومية، التسجيل والمشاركة الانتخابية رهين بتغير الواقع السياسي المغربي بالعمق، رهين بنفض اللوائح الانتخابية المغربية من تحالفات المال والسياسة وإقرار تحالفات الفساد السياسي، رهين بتغيير ملمح الوجوه المحتكرة للسياسة بالتوريث وتمزيق اللوائح المكررة بالتدوير، رهين بسد منافذ المال والفساد السياسي من التسرب إلى الناخب وتحويله إلى بضاعة تستهلك (صوته) بحد يوم الاقتراع و(انتهى الكلام).
من أسوأ الجدال التي يسبق الانتخابات، الحديث عن تشبيب النخب السياسية، الحديث عن الكفاءات السياسية، الحديث عن الانتقال من حزب لآخر وهو المشين الأسوأ من العزوف عن التصويت، الحديث عن القاسم المشترك والذي يحيي أحزابا في الإنعاش والموت الرحيم، دون الحديث لزوما عن الناخب والمواطن والوطن، وما الاستفادة الكلية من العمليات الانتخابية برمتها؟ .