بين ثقافة الشاشة الزرقاء وثقافة العامة فارق زمان ومكان بمدينة مكناس.
محسن الأكرمين.
لم تنفع ثقافة العالم الافتراضي رغم جاذبيتها من احتواء الجميع والإعلان الصريح عن قتل المثقف التقليدي. لم تجد نفعا في تنويع إنتاج مقاسات أفواه مستطيلة توفر النموذج الرخو من الثقافة الوظيفية، وتبديد ضياع زمن ضبط عقارب ساعة الحرية والإبداع في مكناس. لنجزم بالسبق، أن مفهوم الثقافة ليس مجرد رسم تخطيط سنوي أو تجميع ركام من أفكار مرتبة بدعوى أنها إستراتيجية سنوية موثقة المعالم، وإنما هي إجابات مسؤولة تجعل من المتلقي يعيش الانسجام التام مع تبعات كل التحولات الاجتماعية.
حقيقة موفورة البيانات، بأن الأزمة الوبائية قد قلصت من تلك المقاييس القديمة لمفهوم الثقافة، قد حطمت حتى مفهوم القراءة و مرجعية المعرفة. قد أنشأت أفرادا يعيشون الهزيمة الفكرية و الضغط النفسي جراء العزل الاجتماعي. لكنا اليوم، قد نعلن انتفاضة عمّا يمرّر من موارد رخوة لثقافة الشاشة والجلسات المغلقة، وتكريم (أمولا نوبة). اليوم قد نعلن ثورة على سياسة تنميط الثقافة في وجوه متداولة حد الإسفاف. اليوم نبحث عن تاريخ جديد لما بعد زمن التلقيح الجماعي ضد الوباء، وضد ثقافة التنميط الوظيفي للثقافة.
قد نكون من فئة الجمع بلا نهاية، إن قلنا أننا فقدنا تلك المهارات العقلية القديمة لثقافة المعلقات والخطابة المتمرسة، قد نكون نساهم في انهيار معالم الثقافة النظيفة باعتماد تقنية محدودة التوزيع والمتابعة، قد نكرر نسخ الإنسان بالترويض و نحو أن يصبح محب الاختصار حتى في كتابة حروف الكلمة الواحدة، ومثل أداء الآلة (HD). اليوم، صدق القول العلني وبدون مكبرات صوت: الثقافة في خطر !!! حين باتت تتحول الثقافة الرسمية بمكناس إلى مصنع عشوائي ينتج سلعا ثقافية شبيهة بــ (روتيني الثقافي عن بعد).
اليوم، التحول المتمركز نحو بدائل ممكنة، قد لا تحمل حتى معايير الإبداع وقدرة الرسالة من حل شفرة المتلقي و وضع حلول لإشكالاته الحياتية. اليوم، قد نبحث بضغط الإبهام بصمة على مختلف التغيرات الثقافية الممكنة، ونتوحد في اختيارات حماية ودعم أشكال التعبير الإبداعية بالتنوع، ونمو الوعي، وقدرات الخيال النشطة.
حقيقة لا تلغى من القول: أن الثقافة المستحدثة بمكناس هي بمثابة خدمات تنتج التراكم الكمي بلا نضج معرفي في زمن التحولات النوعية. تنتج زيغا فسيحا عن الأهداف الإنسانية للثقافة النظيفة المرتبطة أساسا بشريحة الساكنة وانتظارا تها. حقيقة قد نكون بالأمس القريب نطالب بتصنيع الثقافة وفق التحولات التنموية، كنا نلح على صناعة اقتصاد المعرفة، لكنا لا ندعو إلى صناعة العقول المستهلك للتشكيلات الصورية والسمعية. قد نكون نبحث عن نموذج لن يصبح الفرد فيه مستهلكا بالتسطيح، بل منتجا للأفكار، و يبني خطابات التحرر والنقد.
لذا فالمنتج الثقافي الوظيفي بمكناس، لا يفترض فيه أن يكون أكثر توغلا في إنتاج فراغات ثقافية تزين البياضات المستفحلة للمدينة، بل عليه أن يعتبر الثقافة مفتاحا للوعي وتأسيسا لثقافة العامة لا ثقافة النخبة. المنتج الثقافي لا بد عليه أن يدرك مواطن ألم الثقافة بمكناس والتي تعيش لحظتها الترميم والتأهيل، ولم تصل حد التثمين. المنتج الثقافي عليه أن يقوم بإنعاش الإحياء الثقافي بآليات تسمح بناء المهارات لا الفرجة السمجة. المنتج الثقافي لزاما عليه أن يقدم طرحا جديدا، يقدم الأفكار ويقلل من التسويق غير المنتج لثقافة رقي الوعي. المنتج الثقافي لزاما عليه أن يستحضر التراث الحضاري للمدينة، ويقتحم الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي وفق التحولات والمواكبة والتجديد.