يحتفل العالم في الخامس من دجنبر من كل سنة باليوم العالمي للتطوع (التطوع غير المنظم أو الفردي/فعل الخير، التطوع المنظم أو الجماعي/العمل الجمعوي)، وهي مناسبة عالمية سنوية الغرض منها لفت الانتباه ألى هذه القيمة الإنسانية العظيمة ودورها في تنمية كل المجتمعات مهما بلغت من الرفاهية ما بلغت فهي تبقى في حاجة إلى هذه القيمة الإنسانية العظيمة، وعلى أي فديننا الحنيف قد ترجم لهذه القيمة الإنسانية العظيمة في نصوصه الشرعية المؤصلة للمسألة ب: “المشي في مصالح الناس” و ب: “فعل الخير”، فمما أكد عليه الشرع الحنيف أن خصال الخير وصنائع المعروف كثيرة متعددة الطرق واسعة الأبواب، وأعظمها أجرا ما كان في قضاء حوائج الناس وتفريج كربهم والتخفيف من ضيقهم والهم والحزن الذي أصابهم ويصيبهم، و بها ينال العبد الأجر والأمان في موقف هو أحوج ما يكون فيه العبد إلى ذلك يوم العرض على الله سبحانه، “يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم”، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “يُحشر قوم من أمتي يوم القيامة على منابر من نور، يمرُّون على الصراط كالبرق الخاطف، نورهم تشخص منه الأبصار لا هم بالأنبياء، ولا هم بصدِّيقين، ولا شهداء، إنهم قوم تُقضى على أيديهم حوائج الناس”، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “مَنْ نَفَّسَ عن مؤمن كربةً من كُرَب الدنيا نفَّس اللهُ عنه كربةً مِنْ كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومَنْ يَسَّر على مُعْسِر يسَّر اللهُ عليه في الدنيا والآخرة، ومَنْ ستَر مسلمًا سترَه اللهُ في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”، وعنه أيضا صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة”، وعنه أيضا صلى الله عليه وسلم أنه قال: “المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر”، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:”المعروف إلى الناس يقي صاحبها مصارع السوء، والآفات، والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة”.
وهذه كلها أحاديث تؤكد أهمية وفضل فعل الخير والمشي في مصالح الناس ونفعهم، و لذلك رغب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك في أحاديث أخر وبين أن خير الناس من كان فيه نفع لأخيه الإنسان، منها مارواه ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: “أحبُّ الناس إلى الله أنفَعُهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله سرور تُدخِله على مسلم؛ أو تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه دَيْنًا، أو تطرُد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا” يعني مسجد المدينة.
غير أن فعل الخير والعمل التطوعي المثمر والمنتج الفعال والمشي في مصالح الناس وحوائجهم البعيدين عن الاسترزاق والعبث مضبوط في شرعنا بشروط ثلاثة وهي:
-الإخلاص: بمعنى أن يخلص الإنسان النية لله سبحانه وتعالى في كل ما يقوم به، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وألا يتوسل بما يقوم به لشهرة ولا منصب ولا مال…، وإنما يكون كل ما يقوم به من جلب للمصلحة ودرئ للمفسدة للغير ومشي في مصالح الناس خالصا لوجه الله الكريم لا رياء فيه ولا صمعة، إذ ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
-الاستطاعة: بمعنى أن يكون مستطيعا لما يطلب منه ويقصد بشأنه وألا يتكلف فيما يقوم به، وأن لا يتحمل مالا طاقة له به، فانعدام الاستطاعة وغيابها يسقط التكاليف الشرعية المفروضة أو يخففها فما بالك بالأفعال التطوعية التي هي في حكم النوافل، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: “لَدَغَتْ رجلًا منا عقربٌ ونحن جلوس مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رجل: ” يا رسول الله، أَرْقِيهِ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل”.
-عدم احتقار واستصغار أي فعل من أفعال الخير: فقد يكون الفعل مما “تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم”، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا تحقرن شيئًا من المعروف أن تأتيه، ولو أن تهب صلة الحَبْل، ولو أن تُفرغ من دلوك في إناء المستسقِي، ولو أن تلقى أخاك المسلم ووجهك بَسْطٌ إليه، ولو أن تُؤنِس الوحشانَ بنفسك، ولو أن تهب الشسع”، فالمهم هو أن يكون هناك إخلاص واستطاعة وإرادة حقيقية خالصة لفعل الخير.
هذا ومما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم ونبه إليه الماشي في مصالح الناس، أن ذلك اختصاص عظيم يختص به الله سبحانه وتعالى من شاء من الناس، وأنه عليه أن يتأدب مع كرم الله واختصاصه له بذلك واختياره له من دون كثير من الناس الذين قذف في قلوبهم الكبر والبخل والأنانية…، فقال صلى الله عليه وسلم فيما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما:”إن لله عز وجل خلقا خلقهم لحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم،أولئك الآمنون من عذاب الله”، فإن هم فرطوا في ذلك وخانوا عطية الله وأساؤوا الأدب مع اختصاصه لهم، سحب منهم سبحانه وتعالى تكليفه واختصاصه ومنحته ومنحه لغيرهم، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:”إن لله عبادا اختصهم بالنعم لمنافع العباد، يقرهم فيها ما بذلوه، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم”.
فافعلوا الخير يا عباد الله ما استطعتم مخلصين له سبحانه وتعالى في ذلك وابتغاء مرضاته، وكونوا بذلك في مستوى ما اختصكم به سبحانه وتعالى من حب الخير للغير ومشيكم في مصالح الخلق، ولكم “في رسول الله إسوة حسنة”، فما عاش صلى الله عليه وسلم لنفسه قط، بل عاش لأمته ولآله وعشيرته وللناس أجمع جالبا للخير مشاء في مصالح الناس.
والحمد لله رب العالمين
بقلم : هشام الازمي