لم يكتمل حديثنا عن الموجهات الكبرى للثقافة بمكناس وموسم جائحة الثقافة عن “بعد”. لم يكتمل مشوار التعرية النقدية وقياس مدى الجدوى من الفعل الثقافي في ظل الجائحة وأثر العوائد الفيضية. اليوم لنا طرح يقفز عن تلك البرامج الثقافية التي نقدرها بحكم القيمة بالرخوة. يقفز الرأي بمتتالية ادفع هامشيا كل تلك الرؤى الاستهلاكية للثقافة بمقابل عقد ندوة ويوم دراسي وتوثيقه بالتصوير الآلي والتواصل عن “بعد”. اليوم نطرح مفهوم “الاقتصاد الافتراضي للثقافة”.أهمية العرض، هي البحث عن تلك العلاقة التبادلية الوثيقة بين الثقافة و سوق الاقتصاد، وعلى مستوى التخصيص حلحلة التنمية المتوقفة.
من سوء التفكير الضيق أننا بمكناس بتنا نمتلك لغة تداولية لمفاهيم كبرى (مشروع مدينة الثقافة) الخطة (الاستراتيجية للثقافة بمكناس) مدينة (الثقافة)، وأصبحنا لا نقدر حتى على التخطيط السليم لاستثمار القطاع الثقافي باعتباره موردا حقيقا لتطوير أداء المدينة تنمويا، أصبح استهلاك الثقافة ينتعل النفعية والتغني مع (كورالات) الكم، بدل إنتاج سوق رحبة للثقافة بمكناس، يحتوي ضمنيا مخزون المدينة الحضاري والتاريخي، ويشكل نقلة نوعية نحو التنمية الثقافية المندمجة.
لنعلن مهما كلفنا الأمر من نقذ متهور قائم، أن الثقافة بمدينة مكناس لازال تستهلك كوجبة سريعة، ولا تقدر حتى على الإبداع المكثف والرزين. باتت تسوق بمعايير الأسواق التضامنية (الموسمية)، أو وفق تحالفات (الأخويات). قد نلقي اللوم على مخططي الرمز الثقافي بالمدية بحفظ الصفة والمسؤولية، قد نعوم النقاش ولا نستطيع لمّ شتاته بين المرسل المثقف/ المسؤول، والمستهلك المحب للصورة والتصفيق, حينها تغيب رسالة الثقافة ولا نقدر على تحقيق صناعة قوة الثقافة الاستثمارية.
فحين نتحدث عن الثقافة البديلة، فإننا نروم إلى ذكر تلك الأنشطة الثقافية المادية وغير المادية، تلك الثقافة التي تساهم في نمو السوق الاقتصادي بالمدينة عبر رؤية ثقافية بعيدة المدى، تتمثل في تحريك استراتيجيات إنتاج برامج ثقافية مفتوحة على العموم، تتنوع بتنوع حاجيات وانتظارات المدينة والساكنة التنموية والتسويقية. هنا نقر أن الثقافة بمكناس لازالت تتلحف رداء التقليدانية وتغيب عنها كليا مفهوم، نفعية استثمار المورد الثقافي كسند رئيس للتنمية.
قد لا يغرينا التنظير عن وضع اليد داخل (العجين الفطير)، ونتساءل بأسئلة تتوقف على أجوبة صريحة حتى الصادم منها: هل توظف مكناس ثقافتها المحلية للاستقطاب الاستثماري، أم لا؟ هل يمكن أن تجلب الثقافة بتنوع حمولتها الهوياتية المستثمرين وتحقيق ربح معنوي ومادي، و لما حتى تسويق المدينة سياحيا؟ هل تراث مكناس المادي واللامادي قابل للإحياء وليس أقل شأنا من الأحياء الصناعية؟ هل برنامج الثقافة السنوي يغيب عنه كليا مفهوم استثمار الثقافية في التنمية؟ هل حقا نولي الثقافة بمكناس حقها من المفهوم الحضاري، باعتبارها ركنا أساسيا في التوجيه الاستراتيجي للتنمية؟ هل تمتلك مكناس برنامج عمل ثقافي يشجع على الإبداع والابتكار وفض بكرة الجمود ووجبات الثقافة السريعة؟ هل الثقافة بمكناس تجسد التنوع المحلي والجهوي والوطني ولما حتى الكوني؟ هل يمكن الحديث عن ثقافة التمكين بدل ثقافة الاستهلاك الرخو بمكناس؟
من سوء الفهم أن يكون المقصود من الحديث السابق (تسليع الثقافة)، من مطبات الثقافة بمكناس اعتبارها (خدمة وأداء ومسؤولية) وانتهى الكلام، من الوضع الهش حين لم نقدر على إعادة ترتيب أولويات الثقافة بمكناس، ولما حتى إعادة النظر في توظيف الثقافة الأمثل بالجودة والأثر الاقتصادي النفعي. من سوء ما فطمت عليه التنمية بمكناس أن الخريطة الثقافية ممزقة ولا تراعي مؤشر التجديد ولا ولوج منافذ التنمية المندمجة. من سوء التنمية أن الثقافة بمكناس تمارس مبدأ (الحبو) ولم تقدر على الوقوف باعتبار الفرد والثقافة والتنمية في علاقة ديناميكية متحركة وعضوية. من المهارات الوظيفية الكامنة بالخمول أننا بمكناس لم نقدر على تطوير أداء الفعل الثقافي منذ زمن نكوص قلم الرصاص، وأن كساد الثقافة بمكناس بات يؤشر على غياب التقائية تامة تستلهم سياسة مدينة ككل، وأن عوامل تضييع (الزمن /الجدوى/ الجودة/ المنشأ…) لازال قائما عند خط بداية السباق التنموي بمكناس.
حقيقة لا تغفل ونقر بها، أن الجميع بمكناس لم يقدر على لمّ شتات الثقافة (المادية/ اللامادية/ المؤسساتية/ التقليدية/ العصرية…)، حينها فقدنا استثمارا في الإنسان والمدينة والاقتصاد، حينها فقدنا قرص البوصلة في مجال تطوير أداء الثقافة البنائية بدون تركيز ثقافة الاستهلاك السريع.
محسن الأكرمين