التطبيع خيار استراتيجي
حاولنا فهم كل ما يحاكى من حولنا؛ أي البيئة العالمية التي سوف نتحمل فيها المسؤولية بعد افتقادنا لشخصيات سياسية محنكة واحدة تلو الأخرى وظهور الجيل الجديد، لكن لم تثمر مجهوداتنا أنداك لاعتبارات و سياقات جعلت الضباب يعيق الرؤية، عكس هذه السنوات الأخير استطعنا الوصول إلى حقائق لم نقل عليها مجزومة لكن على كل حال يمكن تقديمها بحتمية التغيرات الاجتماعية و الأمنية و الاقتصادية، نظرا لتقاطعها مع التيار التقليداني الذي حاول رسم خريطة اقتصادية، اجتماعية و جيوسياسية مقولبة وفق الظروف في تلك المرحلة، اليوم نحن أمام خيارين؛ إما القفز فوق العثرة و المرور أو العودة إلى الوراء و البحث في الأطلال، هذا الأخير ربما سيكون نافذة نحو المجهول، لنين كان عادلا عندما نهج خطوة إلى الوراء و خطوتين إلى الأمام، لا يمكن صناعة المجتمع المراد دون الوقوف بين قراءة الماضي و استشراف المستقبل، ظلت دول شمال إفريقيا صامدة تحت مكر العروبة و الارتباط الوهمي بالمشرق العربي، مما جعلها ترتدي هوية وهمية لقرون عديدة، هذه الهوية المزيفة نتج عليها القطع مع التاريخ القديم و رسم الشبح بلغة المؤامرة، منذ الأمس بدأت ضباب العروبة تسحب من بلدان شمال إفريقيا و موتها بدأ مع الربيع الأمازيغي حيث تمرد الأمازيغ ضد التعريب وضد البقاء متارس أمام جحافل الغرب، ثم جاء الربيع العربي و انكسرت السيرورة العادية للحضارة العربية، تحطمت كل أسوار العروبة، حدثت العديد من الانقسامات هناك دول باتت تتخبط في وحل الفقر و عواصف التطرف الديني كسوريا، اليمن، العراق … و هناك من تصالحت مع الغرب ثم خلعت جلباب العروبة، لكن هذا التحول لم يكن بالأمر الهين، حيث دفعت الدول المحايدة تجاه الغرب و المرتبطة بالدول المرتدة من جهة أخرى ثمن حيادها و انحيازها في آن واحد، و نذكر هنا المغرب عندما تعرض للإحراج أثناء تصويت السعودية لصالح أمريكا رغم الارتباط الوهمي بنكهة العروبة و الإسلام، هذا القرار الجريئ بعثر أوراق المغرب في لحظة دون سابق إنظار، لم تمر ثلاث سنوات حتى ارتدت الامارات عن العروبة و ارتمت في أحضان أمريكا و إسرائيل، لم تكن هذه الخطوة من طرف الإمارات غبية أكثرمن ما هي ذكية و استراتيجية، ذلك حفاظا على أمنها السياسي و الاقتصادي، لم تتوقف التغيرات في هذه النقطة بل استمرت حتى أعلنت وزارة الخارجية الفلسطينية حيادها السلبي تجاه الصحراء المغربية، هنا دقت فلسطين آخر مسمار في نعش قضيتها، حيث لم تكترث اهتماما لمغربية الصحراء و التضحيات التي قدمها الشعب المغربي في سبيل ما يسمى بالقضية الفلسطينية، لم تمر سوى أيام حتى نظم الشعب الإسرائيلي مظاهرات و عبروا من خلالها على دعمهم لمغربية الصحراء و كانت أخرها الوقفة التي نظمت في مدينة أشدود الإسرائيلية يوم الثلاثاء المنصرم ردا على اللأعمال الصبيانية التي قامت بها عصابات البوليزاريو المدعومة من طرف الجزائر، فاعتبارا للسياق الحالي و ما يحاك من طرف الجارة الجزائر من تهديدات تجاه الوحدة الترابية للمغرب فلم يعد هناك خيار أمام هذا الأخير إلا بمد يد التطبيع مع دولة إسرائيل و الدول الرائدة كخيار استراتيجي، نظرا لما يفرضه سياقنا الحالي من تحالفات و تكتلات اقتصادية، جيوسياسية و القطع مع وهم العروبة، لم تعد مسألة التطبيع طابو إلا عند التيار المحافظ في العلن و الماكر في الخلف، هناك جماعات كالإخوان أصبحوا يعيشون بين سندان الانفتاح و مطرقة المرجعية الدينية، هذه الأخيرة لم تعرف أي إصلاح حتى تتمكن الجماعات الإخوانية من قولبة النصوص حسب السياق، إذا كما جاء أعلاه لم يبقى هناك خيار أمام دولتنا سوى البحث عن حلفاء استراتجيين من أجل بناء مغرب جديد رائد في كل المجالات و تعزيز وحدته الترابية.
سعيد منصور، أستاذ و ناشط أمازيغي
(ملحوظة: مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن قناعة لدى الجريدة بمضمونها ولا عن رأيها في الموضوع المتناول)