حين تنكسر المرايا…
محسن الأكرمين.
قد نفر كرا من الماضي ونحمل الخوف المزدوج، لكن هذا الماضي يبقى حاضرا فينا وفي بناء لبنات مستقبلنا الخفي. قد نكره الماضي مرات عديدة من شدة بؤسه وضغطه على الذات بقسوة الجبابرة، لكنه يبقى مصنفا في أرشيف درج الحياة رغم أسف خيانة العيون بالدمع، وكلما هزنا الحنين أعطيناه قبس روح الاستفسار، ومن لهفة قلب الحب يحدث التصديق بالفرح و إنهاء التقوقع حول الذات. من المفارقات العجيبة حين يصير المستقبل وهما محنطا بالخوف والفزع ونسيان أيام الدنيا. من مفاسد اقتحام التغيير والتطوير، حين يصبح المستقبل صعب التطويع ولو بأمل حلم الرحمة، من الخدع المتكررة حين يبقى الماضي حاضرا ويتحكم في مسالك تحرك المستقبل وينقطه بالإيجاب أو بنهاية إحراق روما.
قد نعيش عيش المخدوع والخدع، وهي صدمة الواقع التي توقع مشكلة بين حاضرنا ومستقبلنا وماضينا في حرب المد والجزر. من سلوك الثقة في الماضي مهما كان شكله وبعده في المكان، أنه يفقدنا القدرة على تجاوز الحاضر ولو باختيارات التغيير وإخفاء الألم، وكسب ما انفك من الزمن. فهل حقا نستطيع أن نتخلى عن ماضينا بتنوعاته في موزع الفرح والحزن؟ هل نقدر أن نقف سدا أمام طوفان سيولة المستقبل مكتوفي الأيدي ولا نمتلك سلطة قرار الفرز؟ هل نبيع العمر المزهر خريفا حين تضيع خفقات القلوب؟.
هي لعبة الحياة التي لا تنتهي قطعا بالبسمة والفرح، بل بنهاية البكاء المصحوب بحزن الموت حتما. هي المرايا المكسورة التي تعري العيوب وقد تبكي صدمة من مساوئ الأفعال ومن النيات الخفية بالقلوب المخدوعة والخادعة. تلك المرايا التي تنكسر فيها الوجوه بالتنوع والتشتت، وهي تحمل أقنعة الرياء والكذب وابتسامة المكر. هي قيم الإنسانية الخاملة في الذوات بالنوم والكسل ، ولا تقدر عن كشف وتعرية كلمات الحب و تبقي إعلان حرب الكره موجودا بعد عشق الخديعة. هنا قد تشتعل لعبة نار الخيانة في وسط جنة نعيم الحب، وقد نهاتف دموع مطافئ النهايات للإنقاذ.
مرات عديدة نبحث عن تموضعات القلوب بين ثلة اليمين وكثلة اليسار المتنطع، مرات نتحسس دقات قلوبنا الباهتة فنطالب من الآخر إجراء تخطيط لنبضات الحب ومسكتات الكره . إنها الآفة الوضيعة من أشكال الحب، حب قد كان أو قد يكون في قنينة عطر تظهر وتختفي مثل ثعلب الروائي محمد زفزاف، ثعلب كان ذكيا وارتوى انتشاء من مهارات الحيل، ثعلب كان يجدد طاقة ذاته باستبدال خطط المكر والخديعة. من بهتان الحب حين نقبل شفاها ويأتي الخريف ليسقط تويج بتلة الزهرة أرضا. من تكاثف طلّ ندى حب الجلمود فقد يطهرنا ثم ينومنا مغناطيسيا، ويلقي بنا عند حافة هاوية النسيان والتاريخ المستهلك.
الحب والحزن فلسفلة متحركة لتأثيث الحياة بكبسولات روتينية من جيل صورة الأبيض والأسود، مخطوطات كارتونية ترسم مواقع الحرب مثل منحوتات الرجل البدائي على صخر صلد لحيوانات خيالية متناحرة. هي معارك حب لن ينكرها أحد أنه عايشها بالربح والهزيمة. فحين يستيقظ الحب من غفوته المميتة يعرف نفسه بأنه الماضي، حين يحضر الحزن في حاضرنا نتوقع أن علبة الصندوق قد فتحت ليلة قدرها لتعري عن أنياب المخيبات. حين نحلم بالمستقبل نكون قد ضيعنا جزءا من ماضينا، وأفسدنا فرحة حاضرنا، وبتنا في حيرة من أمرنا، ومن أبواب المستقبل المقفولة بمفاتيح سيدنا سليمان والنسيان. فمن منا، يقرأ ذاته (أنا حزين أنا موجود) !!!من منا، يصنع محرقة تشابه محرقة سيدنا إبراهيم ويخرج منها سالما آمنا من الحزن والمكيدة، ومن مخلفات حرب تأكيد الذات !!!
من سذاجتنا أننا لا نستمع إلى قلوبنا حين يخفت خفقانها بالتريث والوفاء. من الأمراض النفسية أن رسم قلوبنا الطبي سليم في بطاقة الآلة، ونحن نعيش متعة الألم والتذمر من اختناقات وجع التنفس. قد تموت حواس الحب والحزن، قد نفقد متعة الحياة في الحاضر والمستقبل، لكنا قد لا نفقد حلاوة الماضي إذا ما طورنا عقباته وفجواته إلى قناطر طريق بدون مخفضات سرعة نحو حلم المستقبل.