تصاعدت في الأيام الأخيرة حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية على نمط عيش اللبنانيين الذين وجدوا أنفسهم أمام خيار احتجاجات شعبية تنديدا بتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بالبلد، وللمطالبة بإصلاحات مالية “إنقاذية” من شأنها الخروج من وطأة الأزمة الخانقة.
ومع الانهيار الاقتصادي المتسارع الذي أدى الى تدهور غير مسبوق في قيمة العملة المحلية، تبدو الأوضاع العامة في لبنان ماضية نحو المزيد من التعقيد، بحيث تناسلت العديد من الأسئلة حول مستقبل الاستقرار في البلاد في خطوة للبحث عمن ينتشل الأزمة المالية الصعبة التي فقد معها اللبنانيون آمال عودتهم إلى أجواء الرخاء التي كانت سائدة في فترات سابقة.
ولم تستثن تداعيات الانهيار، وهو الأسوأ منذ عقود، أي فئة اجتماعية وانعكست موجة غلاء غير مسبوق، وسط أزمة سيولة حادة وشح الدولار الذي لامس سعر صرفه في السوق السوداء عتبة السبعة آلاف ليرة مقابل السعر الرسمي المحدد في 1507 ليرات.
وقد جعلت الأزمة قرابة نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر وفق البنك الدولي، مع توقع خبراء اقتصاديين اضمحلال الطبقة الوسطى في بلد كان حتى الأمس القريب يشهد ازدهارا على مختلف أوجه الحياة المعيشية ومبادرات شعبه الخلاقة.
وأمام هذا الوضع المتأزم، يواصل اللبنانيون تنظيم مظاهرات شعبية على السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة على مدى شهور عدة، تعبيرا عن سخطهم إزاء التراجع على تردي السياسات المالية والاقتصادية وتفاقم الأزمات المعيشية والاجتماعية.
وقد تحولت الاحتجاجات في الأيام الأخيرة إلى إغلاق الشوارع والطرقات في عدد من المدن، مع اندلاع أعمال شغب واشتباكات “طائفية” ومواجهات بين القوى الأمنية والمتظاهرين أسفرت عن سقوط العديد من الجرحى في صفوف الجانبين، إلى جانب احراق وتخريب محلات تجارية ومقرات فروع مؤسسات بنكية.
هذا الوضع الأمني، دفع السلطة الحاكمة الى عقد العديد من اللقاءات لاحتواء الوضع كان أبرزها “اللقاء الوطني اللبناني” ليوم أمس، والذي كان من بين مخرجاته الدعوة إلى وقف حملات التحريض التي من شأنها إثارة الفتنة وتهديد السلم الأهلي وزعزعة الاستقرار الأمني في البلاد، والسعي إلى التهدئة على كل الأصعدة وسط الأزمات التي تعصف في البلاد.
وفي سياق متصل، حذر الرئيس اللبناني ميشال عون من أن بلاده اقتربت من أجواء الحرب الأهلية على نحو مقلق، مشددا على ضرورة مواجهة الفتنة الطائفية.
من جانبه، أقر رئيس الحكومة حسان دياب بأن لبنان ليس بخير، وتحدث عن أن “علاج الوضع مسؤولية وطنية، ليس فقط مسؤولية حكومة جاءت على أنقاض الأزمة”.
وتابع أنه “ليس لدينا ترف الوقت للمزايدات وتصفية الحسابات وتحقيق المكاسب السياسية، لن يبقى شيء في البلد للتنافس عليه إذا استمر هذا الشقاق والقطيعة والمعارك المجانية”.
أما رئيس مجلس النواب نبيه بري فدعا، في لقاء مماثل، الحكومة والمصرف المركزي وجمعية المصارف إلى إعلان حالة طوارئ مالية وإعادة النظر بكل الإجراءات التي اتخذت لحماية العملة الوطنية، مشيرا إلى أنه “من غير المقبول بعد الآن جعل اللبنانيين رهائن للأسواق السوداء في العملة والغذاء والدواء والمحروقات”.
وتأتي هذه الأوضاع في وقت تلقت فيه الحكومة اللبنانية جرعة انتقاد دولية جديدة شديدة اللهجة، عكستها اشارات سلبية غير مشجعة، توالت في الفترة الاخيرة من جانب المؤسسات المالية الدولية تجاه البلد والتي عبرت عن “ضيق تشعر به حيال بعض الاجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية، والتي أضافت نقاطا سلبية جديدة لدى القيمين على هذه المؤسسات حيال الوضع اللبناني والسلطة الحاكمة”.
وفي هذا الإطار ، كانت مصادر متتبعة لمفاوضات السلطات المالية اللبنانية مع صندوق النقد الدولي قد قالت إن اللقاءات بين الجانبين لم تدخل حتى الان في الحسابات والارقام ولم تتناول مباشرة المبلغ الذي يأمل لبنان الحصول عليه، مشيرة إلى أن مسؤولي الصندوق أبدوا منذ البداية الاستعداد لمساعدة البلد ، لكنهم ركزوا على تحقيق الاصلاحات المالية والادارية التي تضمن خروج لبنان من الوضع الذي أدى إلى أزمته الاقتصادية والمالية.
وفي أفق تجاوز الوضع الاقتصادي المقلق، يحتاج لبنان إلى مساعدة دولية ملحة للخروج من دوامة الانهيار الاقتصادي المتسارع الذي يشهده منذ أشهر، واحتواء الأزمة عبر إقرار إصلاحات هيكلية تلبي مطالب المحتجين وتخرج البلاد من الأزمة المتفاقمة.
ويشهد البلد أسوأ انهيار اقتصادي منذ عقود، يتزامن مع شح الدولار وفقدان العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها، عدا عن ارتفاع معدل التضخم، ما جعل قرابة نصف السكان تحت خط الفقر.
وتسارعت وتيرة الأزمة الاقتصادية بصورة كبيرة تزامنا مع انتفاضة اللبنانيين التي اندلعت في 17 أكتوبر الماضي، حيث تشهد البلاد أزمات في مختلف القطاعات الأساسية.
ويطالب المحتجون برحيل الطبقة السياسية التي يحملونها مسؤولة “الفساد المستشري” في مؤسسات الدولة، والذي يرونه السبب الأساسي للانهيار المالي والاقتصادي.