يستعد قطاع السياحة الصيني لاستعادة عافيته تدريجيا بعد أن كانت هذه الصناعة من أشد القطاعات تضررا من وباء كوفيد-19، بسبب تدابير الإغلاق وحظر السفر لمنع انتشار الفيروس، مما كبدها خسائر فاقت 250 مليار دولار منذ بدء الأزمة الصحية.
وانخفض ناتج القيمة المضافة للصناعة الثالثة في الفصل الأول من العام الحالي بنسبة 5.2 في المائة وفق مكتب الاحصاءات الوطني الصيني. وكانت السياحة التي تعد عنصرا أساسيا في الصناعة الثالثة، من بين أكثر القطاعات المتضررة جراء الوضع الصحي في البلاد، وهي التي تسهم بنسبة 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الصين، ويتجاوز عدد العاملين في هذا المجال 100 مليون عامل.
وتوقعت أكاديمية السياحة الصينية في فبراير الماضي أن يتراجع حجم السياحة الداخلية بنسبة 56 في المائة في الربع الاول و 15.5 في المائة في العام بأكمله والايرادات بنسبة 69 في المائة و 20.6 في المائة على التوالي.
وقد توقفت حركة السفر، التي كانت مرتقبة خلال عيد الربيع الصيني في أواخر يناير ، بسبب تفشي المرض . ونتيجة لذلك، شعر العديد من شركات السياحة بتداعيات فورية، حيث أغلقت بعضها أبوابها تماما فيما أشهرت أخرى إفلاسها.
وتراهن الصين على سياحتها الداخلية لانعاش القطاع الذي فقد، وفقا لتقديرات مؤسسة “هلليس” الاستشارية التي تتخذ من بكين مقرا لها، ما لا يقل عن 10 مليارات يوان (1.4 مليار دولار أمريكي) يوميا في المتوسط خلال تفشي الوباء.
وبالفعل، شهدت سوق السياحة الصيني انتعاشا قويا خلال عطلة عيد العمال التي مددتها السلطات الصينية لخمسة أيام متتالية، حيث استقبلت المدن الصينية 115 مليون سائح محلي خلال العطلة، محققة إيرادات بقيمة 47.56 مليار يوان (حوالي 6.72 مليار دولار أمريكي)، وفق بيانات وزارة الثقافة والسياحة الصينية.
وقال وانغ شياو فنغ مسؤول بالوزارة إنه مع تطبيق إجراءات منتظمة لمكافحة فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، تعافى سوق السياحة بنسبة 50 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
وأضاف أنه طلب خلال العطلة من المواقع السياحية في جميع أنحاء البلاد التحكم في عدد الزوار حتى لا يتجاوز 30 بالمئة من سعتها القصوى، أثناء تدشين نظام الحجز عبر الإنترنت لاستقبال الزوار في فترات زمنية متداخلة وتفريق الحشود في الوقت المناسب في المناطق الرئيسية، مبرزا أنه تم التشديد على التنفيذ الصارم لإجراءات الرقابة بما في ذلك التحقق من درجة حرارة الجسم ورمز الاستجابة السريعة الصحي، فضلا عن الحفاظ على التباعد الاجتماعي.
وأكد أنه لم تحدث حالات تفشي للمرض في مناطق الجذب السياحي خلال العطلة، ولم يتم الإبلاغ عن أي حوادث رئيسية تتعلق بالسلامة في السفر خلال العطلات أو شكاوى رئيسية.
وشكل السفر الداخلي، ولا سيما الرحلات داخل المقاطعات والرحلات المحلية، الخيار المفضل لمعظم المصطافين لأن القيود لا تزال قائمة على السفر عبر المقاطعات الصينية أو إلى وجهات خارجية دولية. وذكر تقرير لوكالة “تريب.كوم” ، أكبر منصة للسفر في الصين و المدرجة في بورصة ناسداك، أن شنغهاي وقوانغتشو وبكين كانت أكبر 3 وجهات سياحية قصدها الزوار خلال عطلة عيد العمال حيث زار العاصمة المالية للصين أكثر من 7 ملايين سائح محلي.
وأضافت “تريب.كوم” أن 55 في المائة من حجوزات الفنادق تمت في فنادق من فئة أربع وخمس نجوم حيث يتم الطلب على رحلات ذات جودة عالية وسط مخاوف تتعلق بالسلامة .
وقد استأنفت مجموعات الفنادق الدولية أعمالها الشاملة بشكل تدريجي في الصين مع دخول البلاد مرحلة عادية من الوقاية من تفشي الوباء والسيطرة عليه.
وقال تشيان جين، الرئيس الإقليمي لمجموعة فنادق “هيلتون” في منطقة الصين الكبرى ومنغوليا، إن جميع فنادق هيلتون الـ 250 في الصين استأنفت أعمالها التجارية، كخطوة أولى في عملية التعافي الدولية، مؤكدا ثقته في “قدوم أيام مشرقة للقطاع”.
كما تم فتح 4 آلاف موقع سياحي خلال فترة عيد العمال، وهو رقم قياسي في زمن الجائحة حيث تعد حديقة تايبينغ الوطنية للغابات في مدينة شيان (وسط الصين) وجزء موتيانو من سور الصين العظيم في بكين من بين أكثر المقاصد السياحية شعبية على أساس الحجوزات في وكالة الأسفار السياحية.
وقال جيمس ليانغ رئيس مجلس إدارة “تريب.كوم” إن “بداية عام 2020 كانت صعبة لصناعة السفر في جميع أنحاء العالم بسبب تفشي الفيروس، لكن الاحتواء الناجح في الصين شجع أرباب الصناعة السياحية وفتح الآمال في انتعاش سريع وقوي في مجال السفر الداخلي”.
ووفقا لآخر بحث أجراه المجلس العالمي للسفر والسياحة، فإن حوالي مليون وظيفة تضيع يوميا في صناعة السفر والسياحة بسبب التأثير الكاسح لوباء كورونا، متوقعا أن تكون منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكثر المناطق تضررا حيث يهدد استمرار الوضع الوبائي مستقبل نحو 49 مليون وظيفة في القطاع، مما يمثل خسارة تناهز 800 مليار دولار أمريكي من إجمالي ناتجها المحلي السياحي.
ومن جانبها، أعادت شركات الطيران الصينية 40 في المئة من نشاطها ساعدها في ذلك الرفع التدريجي لقيود السفر والطلب الداخلي حيث أضافت شركات الطيران الإقليمية مثل “قويتشو” و”فوتشو” والخطوط الجوية الصينية الشرقية منخفضة التكلفة وشركة “تشاينا يونايتد إيرلاينز” خطوطا جديدة في جميع أنحاء البلاد، وفقا لتقرير صادر عن “كاك نيوز”، وهي صحيفة تديرها إدارة الطيران المدني في الصين .
لقد أدرجت الحكومة الصينية السياحة كأولوية وطنية في خطط وإجراءات الإنعاش الاقتصادي. وشملت التدابير المتخذة على الصعيد الوطني التخفيضات الضريبية والدعم المالي، حيث أصدرت المؤسسات المالية الصينية قروضا ميسرة ومنخفضة التكلفة بقيمة 111.4 مليار يوان (حوالي 15.9 مليار دولار أمريكي) لمساعدة القطاعات المتضررة من الجائحة، ومنها القطاع السياحي.
كما عمدت مدن ومقاطعات تعتمد إلى حد كبير على العائدات السياحية، إلى ابتكار أساليب لانعاش هذه الصناعة. فمقاطعة هاينان (جنوب)، على سبيل المثال، تخطط لبدء مهرجان سياحي دولي بمجرد احتواء الجائحة ودعم الشركات السياحية في خفض الايجارات والرسوم. كما أن مقاطعة شنشي (شمال غرب)، الغنية بالمعالم التاريخية والأثرية، انصب اهتمامها على مناطق الجذب السياحي في الهواء الطلق قبل الانتقال إلى الأماكن المغلقة، مع تنظيم مسارات سفر قصيرة قبل تمديدها.
أوقفت جائحة كوفيد السياحة والسفر على الصعيد الدولي، لكن مع تخفيف القيود في الصين، بدأ ينظر إلى الرحلات السياحية الداخلية على أنها طوق نجاة وخطوة كبيرة إلى الأمام في طريق التعافي. ومع استمرار الصين في السيطرة على الوضع الوبائي، اعتمدت الحكومات المحلية أيضا سياسات دعم كاستصدار قسائم نقدية لتشجيع المستهلكين على التسوق والإنفاق والسفر أكثر، في محاولة لإنعاش قطاع سياحي عاش في ظل أزمة خانقة لخمسة أشهر متتالية، ولم يعد قادرا على امتصاص مزيد من الصدمات.