ماذا يقصد بعون السلطة؟ ما هو الدور الذي يقوم به هؤلاء الأعوان التابعين لوزارة الداخلية؟ ماذا يعني مفهوم المراقبة عند الدول التي آمنت بدور المراقبة في التقييم والتصحيح ولدى الدول التي تفهم المراقبة على أساس أنها نوع من التجسس؟ هل مازال هناك من دور لهذه المؤسسة في ظل تنامي أدوار المراقبة عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة؟ هل مختلف وسائل هذه التكنولوجيا الحديثة من صواريخ وطائرات المتحكم فيها عن بعد تعتبر كافية لوحدها وتغنينا عن عناصر الجنود في الميدان وعلى الأرض؟
عبر التاريخ أنتج المغرب مؤسسات تقليدية قامت بدور فعال في تصريف أمور الادارة والتدبير اليومي لشؤون الناس. كالبراح ( عبارة عن جهاز تبليغ وأخبار وإخبار ) والرقاص؛ ( عبارة عن ساعي البريد) والجراي، ويستعين به الشيخ والمقدم، خاصة في العالم القروي في الدواوير والمداشر لتبليغ الناس بأخبار ومعلومات معينة؛ ومنه ينبثق أحيانا الشيوخ والمقدمين. وهناك العريفات من النساء اللواتي يقمن بأعمال إدارية بحكم طبيعتها وصونا للحياء والحشمة السائدة في الثقافة المغربية، تتم الاستعانة بهن؛ كتفتيش النساء في حال ارتكاب فعل جرمي مثلا.
يقصد بعون السلطة مجموعة من الأعوان من شيوخ ومقدمين التابعين إلى مرفق وزارة الداخلية، الذين يشتغلون ويقومون بمهام إدارية دائما إلى جانب رجل السلطة على مختلف هيئاتهم ما ولات وعمال وباشوات وقواد وخليفة القائد. منهم من يشتغل بمصالح القيادات والملحقات الادارية، ويشكلون الأغلبية الساحقة، وبمصالح الباشويات أو التابعين لقسم الشؤون الداخلية بالعمالة أو الإقليم.
هناك من يختزل عمل هذه الشريحة، تبخيسا في دور الجاسوس، وهذا هو حال الدول المتخلفة التي تختزل مفهوم المراقبة في التجسس؛ مع أن مفهوم المراقبة عند الدول التي آمنت بمفهوم المراقبة كآلية للضبط والتقييم من أجل التصحيح؛ تستعمله كمبدأ في جميع المؤسسات التابعة لها؛ في مجال التعليم في الصحة في المدارس في المؤسسات العمومية والأمنية والقضائية والمراقبة عبر بطاقات الائتمان وأجهزة الهواتف ومختلف وسائل وشبكات التواصل الاجتماعي… وغيرها.
1- دور عون السلطة بالعالم القروي:
عون السلطة بالعالم القروي يعمل مع جميع الادارات وبالتالي جميع الوزارات؛ فهو ساعي البريد الذي يوصل الرسائل والإشعارات الى السكان البعيدين في الجبال والوديان مجانا. وهو عون التبليغ بالنسبة للمحكمة؛ حيث يقوم بتبليغ مختلف الاستدعاءات والإشعارات والأحكام الصادرة والواردة من مختلف المحاكم بالمملكة دون مقابل؛ في الوقت الذي يتقاضى فيه عون التبليغ بالمحكمة ( المفوض القضائي ) اجرة عن كل تبليغ يصل الى 30 درهما وأحيانا اكثر من ذلك حسب المسافة التي قطعها لتبليغ طي المحكمة؛ وهو الذي يقوم بتبليغ استدعاءات المجلس الجماعي الموجهة للمواطنين وكذا اعضاء المجلس ومختلف الادارات.
ولعقد المقارنة نقوم بإدراج المثل التالي: نعرف ان تبليغ طي وارد او صادر من او عن المحكمة الى أحد المتقاضين يتم من خلال السومة المحدد في 30 درهما عن كل طي تبليغ متعلق بقضية مدنية داخل المدار للمحكمة المعنية. أما خارج المدار للمحكمة المختصة، فيتم إضافة 2 دراهم عن كل كلومتر ذهابا وإيابا؛ يعني لنفرض ان مكان التبليغ يتواجد بدوار معين تابع لجماعة ترابية معينة ويبعد بحوالي 150 كيلومترا عن مقر تواجد المحكمة، يعني ان العملية الحسابية سوف تسفر عما يلي: 30 درهما + 300 درهماx 2 = 630 درهما عن كل طي تبليغ.
كما عون السلطة هو الذي يقوم بتبليغ استدعاءات وإشعارات مصالح الدرك الملكي والمؤسسات التعليمية وإشعارات المكتب الوطني للماء الصالح للشرب والكهرباء.
كما يقوم بإجراء مختلف البحوث الاجتماعية حول الراغبين في الحصول على مختلف الشواهد الادارية وملفات التكفل بالأطفال وحول المتهمين بجنح وجنايات، حيث يطلب قاضي التحقيق أحيانا اجراء بحث اجتماعي حول هؤلاء؛ وغيرها من البحوث كالإقامة وبحث السكنى وبحث طلب شهادة العمل او عدم العمل بالنسبة للقطاعات الغير المنظمة وبحوث الولادة والوفاة التي تقع بالمنازل وبحوث الحصول على شهادة العزوبة والخاطب والمخطوبة وغيرها…
من جهة اخرى، فعون السلطة هو حلقة الوصل في استراتيجية التواصل بين السلطة والساكنة من خلال اخبارهم بمختلف الطوارئ خاصة في القرى البعيدة التي لا تتوفر على وسائل الاعلام والاتصال من المغرب العميق. وهو من يتولى عمليات الاشراف على الصلح في العديد من الخلافات بين الناس والتي لا تصل في 95 بالمائة منها الى المحاكم. وحينما يستعصي عليه الامر يعرض القضية على رجل السلطة لإيجاد تسوية للمشكل حبيا، خاصة المشاكل التي يكون فيها طرفا المجموعات فيما بينهم او مع احد الافراد؛ كالمتراميين على اراضي الجموع او عدم الامتثال لقواعد “اجماعة” في تدبير توزيع مياه السقي والنزاعات حول المراعي وأمور القبيلة وغيرها من القضايا الاجتماعية.
ليس هذا كل شيء الذي يقوم به عون السلطة؛ فهو يقوم كذلك بدور المراقبة والتتبع لأحوال الناس من خلال تتبع الرأي العام. وهذه اهم اختصاصات عون السلط التي تسمح لسلطة الحكومة باتخاذ الاجراءات الكفيلة بخصوص السياسات العامة والعمومية والقطاعية على المستوى الوطني او الجهوي او الاقليمي او المحلي من خلال عملية تجميع لقياس نبض الشارع حول الاسعار والزيادات ولردود الفعل حول القرارات الحكومية ومختلف القوانين والأنظمة المزمع اتخاذها.
2- دور عون السلطة بالوسط الحضري:
دور رجل السلطة في الوسط الحضري لا يختلف في شيء عن زميله بالعالم القروي. فقط انه بالمدينة نجد ساعي البريد وأحيانا عون التبليغ. لكن في بعض المدن هو من يتولى مهمة تبليغ طيات المحكمة، خاصة المتعلقة بالأفعال الجرمية وحتى بعض الطيات المتعلقة بالقضايا المدنية.
كما ان تواجد عناصر الامن الوطني وجهات امنية اخرى يجعل المهمة اقل صعوبة من تلك بالوسط القروي. حيث يجد عون السلطة نفسه فقط الى جانب عنصر القوة المساعدة في محاربة الباعة المتجولين واحتلال الملك العمومي ومحاربة البناء العشوائي ومطاردة المخربين لبعض المنشآت العامة وحراسة المسابح البلدية… وغيرها من المهام الغير محدودة من حيث طبيعة التدخل؛ إد حتى من يرغب في طلاق زوجته فإنه اول من يبدأ به هو عون السلطة.
هذا، ولولا شبكة العلاقات التي يربطها عون السلطة بمختلف فئات المجتمع من خلال المصالح المتبادلة؛ فإنه لا يتوفر على اية وسائل للعمل تسمح له بالقيام بعمله في ظروف جيدة ومريحة. وبالتالي فدور هذه الفئة والمهام المنوطة بها والتي تتجاوز حجم الدراجة النارية التي احيانا تسلم له مع هاتف نقال وحجم الاجرة الذي لا يتجاوز في أحسن الأحوال ال2500 درهما.
ولعقد المقارنة فان ابسط عون مصلحة او عون عمومي بإدارة اخرى؛ نجده يتقاضى اجرا لا يقل عن 3000 درهما في الشهر مع ضمان كامل حقوقه في التعويض عن المرض والمعاش والترقية… وغيرها من الحقوق، مع العلم ان طبيعة عمله لا تشكل حتى 5 بالمائة من عمل عون السلطة ومستواه الثقافي لا يتجاوز حد معرفة القراءة والكتابة، وهؤلاء يتواجدون بمختلف مرافق الوزارات. فهي تبقى وتعتبر جد هزيلة بالنظر الى الاتعاب والمهام التي يقومون بها. والتي تعتبر جزءا من المهام الموكولة لرجال السلطة كرؤساء لهذه الفئة.
وبالتالي، فإن تزويدهم بقانون خاص يحفظ لهم كرامتهم في العيش الكريم يبقى شيئا منطقيا وبأثر رجعي؛ خاصة بالنسبة للفئات التي احيلت على التقاعد بدون معاش ولا مراكز قانونية تذكر.
وفي علاقته بمصالح الجماعات الترابية المكلفة بالخدمات الادارية؛ كشواهد الوفاة والولادة والحياة الفردية والجماعية والخاطب والمخطوبة ومطابقة الاسماء والزوجة الوحيدة وعدم الزواج والعزوبة… وغيرها من الشواهد التي يطلبها المواطن. وهنا مرة اخرى يظهر الدور الذي يلعبه عون السلطة من خلال البحوث الادارية المعمقة او السطحية التي يجريها حول طالبي هذه الخدمة وتسهيل عمل مصالح الجماعة التي لا تعترف له بأي دور في هذا الخصوص. فبناء على بحوثهم تسلم مختلف الشواهد الادارية وعلى مسؤوليتهم يمضي الموظف المكلف بالتوقيع.
فأحيانا خبر بسيط من قبل عون سلطة تكون له اهمية على المجتمع لا تقدر بثمن. ولسنا نبالغ اذا قلنا ان عون السلطة هو احدى عيون الدولة التي لا تنام في السهر على الصالح العام وتحقيق السكينة والأمن والطمأنينة للمواطنين والمواطنات من خلال قربه اليومي بهم.
الاختصاصات التي يمارسها رجال السلطة لابد لها من آلية تنفيذ وهذه الآلية ليست سوى احدى اهم العناصر الأدنى في شبكة السلم والتدرج الإداري. فالشيخ والمقدم كأعوان سلطة يلعبون دورا محوريا في الاختصاصات التي يمارسها رجال السلطة. وهنا نميز في هؤلاء بين المقدم القروي ومنصب المقدم الحضري وبين الشيخ القروي والشيخ الحضري كرتب في التسلسل الاداري وليس بحكم العمل المرتبط بالمكان؛ وبأسلوب آخر فإن منصب شيخ قروي لا يعني انه يعمل فقط بالعلم القروي، ولكن قد نجد منصب شيخ قروي يعمل بالمجال الحضري.
هذا، ولا يقتصر دور هذه الفئة على الإخبار والاستخبار كما يخيل للكثيرين؛ او التجسس واحصاء انفاس المواطنين او “البركاك” كما يحلو للبعض ان يسميه؛ ولكن هذه المهمة لا تشكل حتى 5 بالمائة من الأعمال الادارية المنوطة بهم في تحقيق الأمن والسكينة والطمأنينة من خلال هذه المهمة الشريفة التي يقوم بها من خلال التبليغ عن المخالفات في مجال التعمير والبناء وعن المجرمين والمافيا والإرهابيين والمتطرفين ومختلف الجرائم من مخالفات وجنح وجنايات ومحلات الدعارة ومروجي المخدرات والتهريب تكوين العصابات الاجرامية وممتهني النصب والاحتيال وتزييف العملة الوطنية وأوكار الفساد وعقد الاجتماعات السرية لزعزعة الأمن والنظام داخل البلد وحيازة الاسلحة بدون موجب قانوني او ترخيص مسبق والإقامة غير القانونية بالنسبة لبعض الأجانب والمتملصين من دفع الضرائب والمتراميين على الملك العمومي واللصوص وذوي السلوك المشبوه فيهم والمحضرين لأعمال تخريبية او عرقلة السير العادي للمرافق العمومية… وغيرها من المهام التي تدخل في الاختصاص العام الموكول لرجال السلطة وممثلي الدولة. فإذا كانت هذه المهام مجرد تجسس او “تبركيك” بمفهوم قدحي؛ فمن عسى يقوم بهذا الدور ولا ينعت بهذا القول؟
وبالتالي لا تكفي الوسائل التكنولوجية الحديثة لوحدها في ضبط المجتمع؛ بل لابد لها من جنود على أرض الميدان للتحقق الفعلي من مدى فعالية هذه الآليات الحديثة من أجل المراقبة والتقييم والتصحيح وإخضاع هذه لمفردة للقانون من أجل تحقيق نوع من الردع العام والخاص في البلد.