محسن الأكرمين.
في ظل أزمة انتشار فيروس “كورونا” يبدو أن تفكيرنا الباطني بات ينتج علامات استفهام عن الموت القريب، وغير المرئي، ولا المتوقع في الزمان والمكان. حقيقة قطعية لن نعيش الأمان النفسي مادامت سيادة “كورونا” تمتلك حرية التنقل بلا رخصة استثنائية من عون السلطة، ولا تخضع لقانونية حالة” الطوارئ الصحية”. اليوم سنتحدث عن الموت في ظل التجربة الرهيبة والعيش ضمن شبكة عنكبوت بيت فيروس”كورونا”، سنتحدث عن الموت باعتبارها نهاية عادلة لمعاناة الآلام، وقتل الفيروس اختناقا داخل الجسد، ثم دفنه تحت أعين المشاهد الأمنية، وتوثيق الحدث ضمن السجلات المدنية والصحية.
الحديث عن الموت في زمن “كورونا” ليس من باب التخويف و خلق الفزع (فهو قائم حتما)، بل من باب أخذ العبرة في أن المسافة بين الحياة والموت قابلة للطي في أي لحظة. ومن بين مستملحات حديث الموت قبل زمن “كورونا” القدرة على الهزل وتصغير قوة الموت، فحين ينبري المتحدث مبتسما بأنه إن قدر له الموت “يريد جنازة (مبرعة) مهيبة بالحضور، وقبرا (شوكة) له عدة واجهات !!!” هذا الحديث له وقع الهزل والضحك المدوي في زمن الصحة وسعة الحال، لكن في زمن “كورونا” كل الحديث يكتسب الجدية، والنصح، والتضرع للخالق، ويركب على “فوبيا” خطاب الخوف مما يخفيه المستقبل المجهول الكامن بالتحرش على الأجساد بالتخفي.
الموت في زمن “كورونا” يزيد من مواجع الفقد وحدة الألم، حيث لا يمكن أن تقام تلك الجنائز التقليدية، ولا مراسيم التعزية بما ألفه الناس من عاداتهم ونواح عناقي. فالموت في زمن “كورونا” يعبر عن صدمتين الأولى: تحمل انتصار الفيروس على العلم والطب، والثانية: حين لا يحظى أهالي الميت من رؤية أخيرة، إنها قيود “الحجر الصحي” تبقى حاضرة على الجسد الفاقد لروح الحياة.
الموت في زمن “كورونا” رحلة في جنازة نحو المدافن بدون أقارب ولا أصدقاء، وإشهاد من السلطات العمومية بالحضور وتقنين لعمليات الدفن، ودعاء متبوع بإجراءات قانونية. فمشاهد الدفن في زمن “كورونا” تحيلنا بالتمام على معاودة التفكير في مسارات الحياة الفردية والجماعية، ولما حتى استعمال ممحاة صلبة ضد السلبية وسوء الاختيارات السابقة، إنها لحظات إشعال صفارة إنذار التعديلات والتصويبات في النموذج التنموي (الجديد) والذي يجب أن يقترن لزاما برؤية الدولة “ما بعد زمن كورونا”. ومن مشاهد الدفن في زمن “كورونا” تكبيل تفكيرنا و تصغير عجرفة فوارق الحياة ، وجعل الميت نكرة في خطاب الصلاة عليه، ورقما مسجلا ضمن لوائح ضحايا “كورونا”.
الموت في زمن “كورونا” يتحرك وفق لوائح اعتباطية لامست الفيروس الخفي بدون قصد أو بجهل قصدي. الموت في زمن “كورونا” يصنع “تراجيديا” خشبة مسرح (المدافن) ضمن دمعات العيون وألم الفراق ومواجع الفقد، يرابط الموت خوفا بحدود حلم الأطباء في الأمل والتفاؤل من أحداث المستقبل، وسعادة ممكنة التحقق بالشفاء وتكميم الفيروس اعتقالا.
الموت في زمن “كورونا” ينتهي باقتصار صلاة جنازة بحضور الأهل والأقارب بالعدد المحدد سلفا، ينتهي بمنع الولائم والبذخ بعد الميت وبناء خيام العزاء، ينتهي بتلقي التعازي عبر الهاتف أو من خلال الرسائل النصية عبر “الوات ساب” أو وسائل التواصل الاجتماعي، ينتهي بمشهد “الحجر الصحي” على عائلة الفقيد بدمعات لازالت سائلة، ينتهي من حيث تبدأ الحياة بصرخات مدوية فزعة في زمن “كورونا”.
الموت في زمن “كورونا”، هو إذا القوة الناعمة بقتل الترصد، والذي أحدث رجة عالميا، وهدد حياة البشرية بالجمع لا بالإفراد. لن يقف موضوع اليوم (الموت في زمن “كورونا”) في خلق الفزع في النفوس وكفى، وإنما نبتغي منه عبرة أكيدة تتمثل في إعادة تصويب مجموعات من العادات المكتسبة من أعراف الماضي، نبتغي من خلاله الحديث عن جمالية الحياة في زمن “كورونا” وصناعة النموذج الأمثل للإنسانية المتضامنة، في الانخراط في التدابير الاحترازية التي اتخذتها سلطات الدولة بكل وطنية ومسؤولية، في التزام المواطنين والمواطنات بقواعد النظافة والسلامة الصحية.
.