لئن كانت فاس معروفة عالميا بجامعة القرويين، الأقدم من نوعها في العالم، فإنها تعتد أيضا بمدارسها العلمية العتيقة التي تشهد على ثراء حضاري ومعماري يكرس موقع المدينة كحاضنة لتطور العلوم والمعارف عبر التاريخ.
هي 11 مدرسة تم تسجيلها في المدينة العتيقة لفاس، المصنفة تراثا عالميا من قبل اليونسكو، والتي تثير الدهشة باستمرار نظير تعداد معالمها المحملة بالتاريخ، وخصوصا بيوتها التاريخية التي تناهز تسعة آلاف، ومدارسها القرآنية (43) وأضرحتها (83) ومساجدها (176) فضلا عن ورشاتها الخاصة بالحرف التقليدية التي تناهز 1200 مع مكانة خاصة لمدابغها القديمة.
ويعد هذا الرصيد الثقافي والسياحي منذ سنوات محل جهود مضنية للترميم والتأهيل في إطار البرامج التي تشرف عليها وكالة تنمية وتأهيل مدينة فاس. خمس من المدارس العتيقة استفادت من العمليات التي أنجزت في إطار برامج تثمين المدينة العتيقة لفاس. يتعلق الأمر بمدارس السباعيين، الصهريج، المصباحية، المحمدية والصفارين.
ويندرج تأهيل هذه المعالم في إطار برنامج يتضمن ترميم 27 معلمة تاريخية في فاس، تم إطلاقه في مارس 2013 باستثمار يناهز 335 مليون درهم. وشمل هذا البرنامج الواسع ترميم القناطر التاريخية والمدارس العتيقة والقصبات والأسوار وغيرها.
وباتت مدارس الصهريج والسباعيين والمصباحية والمحمدية والصفارين (القرن 13 و 14م ) التي أعيد ترميمها من قبل وكالة تنمية وتأهيل فاس، تابعة لجامعة القرويين ومفتوحة في وجه الطلبة في وقت تتواصل الجهود لتأهيل باقي المدارس والمواقع التاريخية.
وبغض النظر عن قيمتها التراثية والتاريخية، فإن هذه المدارس التي اضطلعت عبر العصور بدور طليعي كمحراب للعلوم والمعارف وفضاء للتبادل حفظ بصمات علماء بارزين من طراز ابن خلدون وابن ميمون والبابا سلفستر، أضحت مؤهلة لمواصلة مهمتها الحضارية فاتحة ابوابها أمام الطلبة.
وتعد المدرسة البوعنانية واحد من أشهر هذه المعالم في مدينة فاس، قريبا من باب بوجلود. المعلمة التي بنيت مدرسة ومسجدا معا في حوالي 1350، تم ترميمها لتكتسي حلة جديدة بدعاماتها الخشبية المنحوتة وفنائها المبلط بأشكال هندسية تعزز جاذبية المعلمة سياحيا.
ويشهد معمار هذا المكان وطريقة تزيينه على نفحة جمالية تضاهي كبريات مآثر المشرق والأندلس، وتعكس قوة المنجز الحضاري لتلك الفترة على الصعيد الفني في المغرب.
ينبغي التوقف أيضا عند مدرسة الشراطين التي تعد أول معلمة ذات طابع ثقافي وعلمي في العهد العلوي. وقد كانت تستخدم مكانا لإقامة الطلبة الأجانب أيضا. فالمدرسة التي تأسست في عهد السلطانين المولى رشيد والمولى اسماعيل استمدت اسمها من مكان صناعة الحبال (الشريط)، لتصبح اليوم بعد الترميم فضاء للثقافة والذاكرة بامتياز.
وتذكر طريقة توزيع الفضاء في المدرسة وخصائصها الهندسية والقاعات المرصوصة حول الفناء بالمدارس القديمة لمدينة القاهرة.
لقد نجحت شبكة المدارس العتيقة لفاس عبر الحقب في تقديم تعليم متين لأصول الدين وتمكين الطلبة القادمين من خارج المدينة، من ظروف إقامة مناسبة. وهو ما تجسده أيضا مدرسة الصفارين التي يعود تأسيسها الى القرن ال 13. واليوم تندمج المدارس العتيقة التي تصمد أمام تحولات الزمن العاتية في النسيج التراثي التقليدي الذي يشكل المدينة العتيقة، مكرسة فاس كوجهة للسياحة الثقافية.
و.م.ع