استهل الأستاذ “عبد السلام الجميل” الإمام الخطيب بمسجد الكوثر بفاس خطبته يومه الجمعة سابع فبراير، بحمد الله و الثناء عليه وشكر نعمه و كرمه، سائلا إياه لطفه وعونه، مسترسلا بذكر الشهادتين والصلاة على الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم تسليما، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وافتتح متن خطبته بالآية الكريمة من سورة الأحزاب : “لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا“(21).
وفي سورة الشورى قال الله عز وجل مخاطبا رسوله الكريم : و””َكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ “(52).
وفي خطابه لسائر المومنين في سورة الحشر من كتابه العزيز، قال جل من قائل: “ما أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ “(7).
وهذا ما يكرس حقيقة أن الرسول محمدا هو القدوة الأولى للمؤمنين، وأن أصول الدين بَينة ساطعة كما الشمس المتوهجة. و لا ينكرها أو يستنكرها أو تخفى إلا على من جحد الحق وتنكر للبَيِنة، شأن الملاحدة الذين لا يرجون لقاء الله ولا جزاءه.
وما جاءت بعثة النبي الكريم إلا رحمة للعالمين، في اتباع تعاليمها كل الخير دنيا وآخرة.
ومن واجب المومن أن يراعي الله ورسوله في عمله كله.
فوزر السُنَّة السيئة دائم إلى يوم القيامة، كما أن جزاء السنة الحسنة دائم إلى يوم القيامة أيضا.
ومن هنا يجب على المومنين ألا يعطوا القدوة السيئة، بل أن يكونوا قدوة صالحة، في البيت، في العمل، وفي الحياة العامة .
وجاء في حديثه ﷺ : “من سن خيرا فاستن به كان له أجره ومثل أجور من تبعه غير متنقص من أجورهم شيئا ، ومن سن شرا فاستن به كان عليه وزره ومثل من تبعه غير متنقص من أوزارهم“
نقله الهيتمي المكي في الزواجر وحكم عنه بأنه : صحيح.
وجاء في حديه عليه أزكى الصلوات و السلام ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: “ليس مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلماً إِلاَّ كَان على ابنِ آدَمَ الأَوَّل كِفْلٌ مِن دمِهَا؛ لِأَنَّه كان أوَّل مَن سَنَّ القَتْلَ“.
و “قَالَ رَسُولُ الله ﷺ:
“إنَّ هذا الخيرَ خزائنُ ، ولتلكَ الخزائنُ مفاتيحَ، فطوبَى لعبدٍ جعلهُ اللهُ مِفتاحًا للخيرِ مِغلاقًا للشرِّ، وويلٌ لعبدٍ جعله اللهُ مِفتاحًا للشرِّ مِغلاقًا للخيرِ“.
الراوي : سهل بن سعد الساعدي
المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه
[صحيح.] – [متفق عليه.]
وهكذا يتبين أن العبد ينال جزاء كل سنة حميدة استنها، و جزاء عن كل من اتبعها ، إلى يوم الدين. كما ينال سيئة ما استنه من شر، و كِفلا من وِزر كل من اتبع سنته السيئة إلى يوم الدين. ويكون بذلك مفتاحا للشر مغلاقا للخير و العياذ بالله.
وخلاصة القول أن القدوة الصالحة يجازى صاحبها بما عمله وعمن اتبعه إلى يوم الدين، أما القدوة السيئة فينال صاحبها سيئاتها وسيئات من تبعها إلى يوم الدين أيضا.
فالعمل الصالح والسنة الحسنة تنفع صاحبها ولو انقطع أجله في الحياة. كما أن السنة السيئة ينال جزاؤها من استنها ولو كان ميتا.
واستهل الإمام الخطيب الجزء الثاني من خطبته بحمد الله جل و علا والثناء عليه، ثم بالصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه، واسترسل بقوله أن الأعمال يجب أن تكون خالصة من الرياء. فالإخلاص في العمل أجدى من كثرته على رياء.
فَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ
: “هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ” (رواه البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم: “إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاتِهِمْ وَإِخْلاصِهِمْ” (رواه النسائي، وصححه الألباني). وفي رواية: “هَلْ تُنْصَرُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ بِدَعْوَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ” (رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني).
فلا مجال إلى أن يُزَكِّي بعضنا نفسه، ولا أن يمُن بعمله الخيرات، ولا أن يتكبر ويظن في نفسه الرفعة و العلو على من دونه من المومنين.
فالإخلاص يجب أن يكون لوجه الله وحده. فالعزة لله ولرسوله و للمومنين الصادقين المخلصين.
وتابع الإمام سائلا الله عز وجل التوفيق والسداد إلى سبيل العمل الصالح الخالص لوجهه تعالى.
وختم الإمام بالصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه، ثم بالدعاء بالخير وبالسداد لأمير المومنين الملك محمد السادس، و لولي عهده الأمير مولاي الحسن ولأسرته الملكية ولكل المومنين والمومنات.