محسن الأكرمين.
برج “بيبي”.
كسرت اليوم عادة (روتيني اليومي) غير المنقول بالمباشر على قناة “يوتوب”. عند أول رؤية يمنى تراءت لي الأسوار الإسماعيلية، والتي تذكرنا بأن المدينة لازالت تحمل عبقا تاريخيا بزيادة. تراءت في مخيلتي أنواعا من طيور الديك الحبشي “بيبي” فوق برج “بيبي” المحيط بالركن الأيمن من جامعة المولى إسماعيل “كلية الآداب والعلوم الإنسانية”. حينها استحضرت أننا نعيش حاضر زمن الالهاءات المتواصلة في قضايا تافهة لا تليق حتى للحديث الأسري، استحضرت ضجة “حمزة مون بيبي” ونحن نتغافل بتوثيق التاريخ المادي لمواقع وأماكن بمدينة الشموخ “برج بيبي”.
هي معادلة بئيسة بوجود “حمزة مون بيبي” فيها، لكن حقيقة نتغافل عن تاريخ البناء ونتلهى بالـ “سفساف” و “مولات البندير”، فمن له الإمكانات لتسويق قضية تافهة بشكل موسع، ممكن له أن يسوق لنا برج ” بيبي” بمكناس ونكون له من فضل الشاكرين. لم أرتكن قعودا من حدة الحنق على تموضع المدينة في سلم التنمية الوطنية، بل تابعت سيري تاركا برج “بيبي” ولعبة “عيشة ماتت” التي مارسنا الجري فيها ولهو الضحك ونحن في صغر العمر.
جولة في المدينة.
استحسنت الاعتماد على حركة الجسد والتنقل العضلي، فمادامت جل الطرقات حتى المهيكلة منها حديثا لا يمكن أن تسهل عمليات المرور بسلاسة للمركبات، وبات الاكتظاظ المروري بمكناس سيد الموقف ورمز التوقف الطوعي، ويصنع رزمة أعصاب للذات بالضغط النفسي. في جولتي بدون مرشد سياحي آثرت أن أمر من الأماكن التي تغيب عنها أعين المرشدين السياحيين ومتتبعي حياة “التثمين المادي” والسياحة، ولا نوليها أصلا الأهمية كقيمة تاريخية بالوحدة المادية لا بالتفرد الهامشي، آثرت ألا أحول مشاهدة التراث المادي بعيون الصورة اللاقطة بالآلة، بل بعيون من تربى بالمحاذاة منها وتآخى معها بالألفة والوفاء.
تثمين التراث المادي.
من الإيمان الساذج عند جيل الأجداد أن قطعة خشب من الأسوار الإسماعيلية ممكن أن يشفيك دخان بخورها من عدة أمراض. من سوء مرجعتنا في التاريخ الحاضر أننا نعيش عصر الخلاف الكبير بمكناس، ولا نقدر وضع اليد في اليد، والاشتغال على صناعة تنمية مدينة متكاملة، وقد نساهم بدون نية قصد في الإطاحة بتراث المدينة المادي واللامادي من التسويق الرزين.
لنتفق نسبيا منذ البداية ونؤكد أن وضعية مكناس الإنمائية اليوم منهكة وتفتقد علامتها التاريخية بموازاة مع مدن القرب، لنتفق أن عمليات الترميم للتراث المادي بالمدينة بغاية التثمين قد أخذت مسارها ونأمل التعميم على امتداد المدينة برؤية وحدة المدينة. هي المدينة” الإمبراطورية” مكناس. هي مدينة التأسيس “الثاني” للدولة العلوية بقيادة السلطان مولاي إسماعيل. هي العاصمة الإسماعيلية والتي بصم فيها رونقا معماريا جماليا بحمولة الفخر والاعتزاز وقوة الأجداد. لنكن، من حسن قدوة سلف الأجيال الحاملة للتطوير.
تثمين النقد كمصدر أساس للبناء السليم.
بمكناس قد نستعمل المال والوجوه !!! للبذخ والترف على أساس تسويق علامات تشوير السياحية والفلاحية والاقتصادية والثقافية والفنية… بمكناس نفتقد إلى حسن التفكير والإنصات إلى حاجيات مدينة قبل الدفع بالكرة إلى الأمام دون وجهة التصويب الجيد نحو مربع مرمى التهديف. بمكناس يمكن أن تتحول كثلة “بياضة” العالية قبالة صهريج سواني إلى ” عجنة بناء” الأسوار عند “مول الكوتشي”. بمكناس نفتقد التخطيط لحاضرنا بناء على أثر مجد مدينة الماضي وتستفيد منه المدينة برمتها. بمكناس تتصلب قراءة الأفكار في السلبية والتحجر وبناء المواقف بالتضاد. بمكناس تزدهر صناعة بناء الفخاخ القاتلة لكل الأفكار الناقدة التي تمكن المدينة من التطوير وتحسين أداء التنافسية.
هي مكناس التي لا تقوم على تثمين النقد البناء والإنصات إلى حروف الكتابة، بل تعتبره معولا ناسفا لكل جهود الإنماء و التسويق. هي مكناس التي لا تقبل إلا بطائفة الدقة الحمدوشية و الكل من الخلف يحمل مباخر الهرولة والرياء والانبطاح، هي مكناس التي تعيش عصر الخلاف العميق وفي الأعلى يمكن أن تصنع التوافق وتقسيم الحدود (ديالي، ديالك).