تفتخر فاس بالقرويين كأول جامعة لها نظام محدد وتعطي دروسا منظمة، كما تفتخر أيضا بمدارسها الأخرى التي كان لها نصيبها من العلم الذي تشد إليه الرحال من مختلف المناطق. هاته المدارس التي تسمى حاليا بالعتيقة، هي مدارس دينية تدرس الشريعة والعلوم الدينية أو النحوية مع بعض الفلك والهندسة، إلا أنه لم تكن أي واحدة لها اختصاص محدد بل كانت حلقات الدروس مفتوحة في وجه الطلاب لينهلوا مما شاؤوا. وبما أن العصر الذي وقعت فيه معركة إيسلي سبقته ثورات داخلية وبعض سنوات الجفاف، فإن التعليم قد فقد أصوله الأولى، وتدخل فيه بعض من المتطفلين، لهذا كان لزاما على المولى عبد الرحمان أن يعيد إحياء الأصول الأولى للتعليم ويجدد فيها كما نرى عند تأسيسه لمدرسة المهندسين بفاس
سنة 1844 حلت محل المدرسة المرينية بفاس الجديد مدرسة أخرى سميت مدرسة المهندسين لها باع طويل في تدريس العلوم العقلية كالفلك والهندسة، إضافة إلى علم الحساب والهيئة. ونجد أيضا ختم كتاب أقليدس في الهندسة سنة 1859 و للمدرسة شهرة كبيرة بفضل طلبتها وأساتذتها الذين نذكر منهم:
أبو العباس محمد الوداني أصلا اليعقوبي نسبا من أساتذة الهندسة الأجلاء ومن الشعراء الذي نظموا قصيدة مدح في المدرسة. عند غياب الأستاذ فإن ولي العهد أنذاك الأمير محمد بن عبد الرحمان كان ينوب عنه في إعطاء الدروس. عبد الرحمان لعلج و هو من الفرنسيين المسلمين يقال أنه كان أستاذا للعلوم الرياضية بها، وغيرهم الكثير من الأساتذة الأجلاء الذين أعطوا ما في جعبتهم للطلبة النجباء الوارد ذكرهم في العديد من كتب التاريخ كالفقيه أبي محمد عبد الله الجباص الوزير الصدر الأعظم بإنجلترا سابقا.
إن المتخرج من مدرسة المهندسين بفاس كان يحمل لقب مهندس إن اختص في الهندسة أو مؤقت إن اختص في علم التوقيت، وأغلب طلابها كانوا ممن أكلموا دراستهم بأوروبا أو يشتغلون بالحاشية الملكية.
توقفت المدرسة سنة 1896 بعد أن تخرج منها العديد من الشخصيات المهمة والبارزة آنذاك.
المصدر: مظاهر يقظة المغرب الحديث الجزء الأول محمد المنوني الطبعة الأولى يناير 1973
بقلم: إلياس أقراب
عن موقع : fes-ency