فسحة من صيف : ماذا تعلمنا في المدرسة العمومية؟

محسن الأكرمين.

تعلمنا في المدرسة العمومية ما بعد الاستقلال أن من يضع (طاقية الإخفاء على رأسه) يعش متسيدا، متمتعا بقوة خارقة، وقد يتحكم في الأرض و العباد. تعلمنا أن (طاحونة الطلاسم) تمتلك الحلول لكل المشاكل وقد (حَوَتْ ما في العالمين)، وتقدر بأوامر على الفتك بالآخر في وقت وجيز، وتترك مراكز الفساد تتسيد عيا. علمتنا النصوص القرائية، أن نخاف من الجن الخفي، حتى وإن كان مرحا(أو أو… أنا عفريت…)، وكذا من الشيطان الذي يتربص كل لحظة بنا مثل (الرمح المسحور). تعلمنا، من مرفقات الحياة ألاّ نستصغر لهيب النار في الغابة، ولا فورة الماء في الوادي الهائج، ولا ثلج الجبل الشديد الانكسار، ولا فيروس (كوفيد 19) المسجد الذي يلبس (طاقية الإخفاء)، ولا الفساد النائم. تعلمنا، بعدها في الجامعة المغربية أن يوم النضال (لا ينتهي، في ساحة لا تنتهي، في ليلة لا تنتهي…) لكن انتهت فورته بالضغط غير المباح.
كان تعليمنا بسيطا بالعين المجردة، وبلا حتى مجهر يدوي، ولا مكبر إليكتروني كاشف عن الوجه الحقيقي لفيروسات الفساد السرطانية. تعلمنا، أن نتعايش مع شتى التلقيحات بأمن وقائي، ومرات متقطعة كانت تفتك بنا (الكوليرا)، وحمى المستنقعات. كان تعليمنا يغلب عليه الغيبيات من (الرمح المسحور)، و(زوزو) يصطاد السمك، وقد أوصلت برامجنا القديمة الجن إلى تعلم الرقص (أحمد والعفريت). كان تعليمنا بحق، يزودنا بما ورد في المعلقات من قصائد الجاهلية بالثانوية، ولماذا سميت بالمعلقات؟ وعن بحور شعر سوق عكاظ ، وعن شعر الهجاء بين الفرزدق وجرير، وتكسب أبي الطيب المتنبي بشعره في مدح ملوك الطوائف.
علمونا، أن أحقية الجزاء والعقاب من الله عز وجل. علمونا، أن بعد حساب ثلة اليمين، هنالك نعيم الجنة والحورالعين، ولكن لا أحد منَّا يكون مستعدا حينها للموت ليلتحق بجنة الخلد. علمونا، أن الله واجب الوجود، ويرانا سواسية من السماء العلوية، وأن هنالك ملائكة بشمال أيدينا تدون الشر، وأن الملائكة التي تتربع على اليمين هي من تدون أفعالنا الخيرة. علمونا، ونحن صغار السن أن نبصق على اليسار في لعنات تستهدف الشيطان، وبقينا نبصق يسارا، وبتنا نخاف من أن نكون مع كثلة اليسار الجذري. علومنا، البصق على ثيابنا الداخلية إن ذكر الجن، ونتعوذ من شر الشيطان الرجيم، ونَلْعن إبليس جهرا. تعلمنا، أخيرا أننا لن نستطع القضاء لا على الشيطان عند الأرض السفلية، ولا على شيطان الفساد والريع (حلال) بالبصق.
علمونا، أن (الله يرانا) حتى وإن تسترنا على فساد الذات والآخر. علمونا، اعتقاد المرجئة في تطبيق القانون الدنيوي (عفا الله عمَّا سلف !!). علمونا، عرفيا أن تلك (العاهرة) بعد موتها تخرج ليلا على شكل (بغلة القبور)، ولها حرية تعريض من نال من لحمها الطري بالرفس.
تعلمنا، من عرف الخرافة أن (لالة عيشة) تخرج ليلا ورجلاها تُشابه أرجل البقر، وتطلب المساعدة الذليلة، ويمكن أن تغدر بمن أركبها على ظهر بغله أو حصانه.
تعلمنا، سبل اختيارات الخير والشر، ومصاحبة الأخيار، والنهي عن مرافقة الأشرار، وكأن الأشرار حظهم أنهم خلقوا بقدر ممارسة الشر ومعاونة إبليس اللعين. تعلمنا، من الفلسفة السؤال (من له بداية له نهاية) ، لكنا لم نتمكن أن نحول غاياته الكبرى إلى تفكيري متجدد، بل بقينا نمارس سفسطة (الطواحين الهوائية) والجدال الرخو بين نصرة التقليد على الحداثة.
تعلمنا، أن من علو الجبل تتصعد الصدور، لكن الخوف من الحرابة وقطاع الطرق، أسكننا في قمة الجبل أمانا. أسمعونا في المذياع قصة (عنترة بن شداد) العبد العبسي الأسود، وشعر الفروسية وحبه لعبلة بنت مالك. أسمعونا مدى قوته البدنية والتي فاقت (شمشون) العهد القديم، و(طرزان) الغابة. أسمعونا، قصة (سيف بن ذي يزن) الملك المتزوج من الجن والإنس، والذي خاض حروبا صُحبة (عيروط) والساحر (برنوخ) والجنية (عاقصة). علمونا، أن الكل يزداد برزقه حتى وإن لم نخطط له وجاء عرضا (حادثا)، وأن المال قد يصنع التعاسة في قصة (الغني والاسكافي). علمونا، القناعة والاقتناع، وأن اليد الواحدة أو العشرة يمكن أن تشبع من قصعة الطعام الصغيرة، إنه بحق أحمد بوكماخ الذي علمنا القراءة والتفكير الغيبي، والرضاء بالقدر خيره وشره.
كان تعليمنا والحمد لله، يُفتقُ فينا خيال التأويلات الخرافية. كان تعليمنا، خطابة، ومتن، ولغو، وحشو، وتنابز بالألفاظ. كان تعليمنا، لا يُلْزمنا التفكير العقلاني (المنطقي) بقدر ما يشحننا بالمعارف التراكمية، مثل ما نشحن بطاريات هواتفنا الذكية اليوم. كان تعليمنا، لا يعير للسن مكانة وليس بالإلزامي (قَرَى حَتى تَتْعْيَا)، ويُمكن أن تَحلقَ لحيتك وأنت بالمتوسط الأول. كان تعليمنا، بالمواجهة، وما أدراك ما قصة المواجهة والعلقة. كان تعليمنا، لا يرتكز على (موضة) الدعم والدروس الخصوصية. كان تعليمنا، (قاصح) ويتلذذ بالضرب والتنكيل بالأجساد الطرية (الفلقة). كان تعليمنا يستمد قوته وطغيانه من الآباء (أنت اذبح وأنا أسلخ) !! كنا مثل سيدنا إسماعيل نُفكر برؤيا ( الذبح )، ونخاف على أعناقهم إن هي أينعت، فقد يأتي من يقطفها من داخل الفصل الدراسي

عن موقع: فاس نيوز